بالزراعة والغرس، وقد مضى هذا الحديث في كتاب العلم في: باب حفظ العلم، أخصر من ذلك، فيه تقديم وتأخير، فإنه أخرجه هناك: عن عبد العزيز بن عبد الله عن مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة، وهنا أخرجه: عن موسى بن إسماعيل ابن أبي سلمة المنقري البصري المدني: يقال له: التبوذكي وقد تكرر ذكره عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف أبي إسحاق الزهري القرشي المديني، كان على قضاء بغداد عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة، وقد مضى الكلام فيه هناك.
قوله: (والله الموعد)، إما مصدر ميمي، وإما اسم زمان، أو اسم مكان، وعلى كل تقدير لا يصح أن يخبر به عن الله تعالى، ولكن لا بد من إضمار تقديره في كونه مصدرا. والله هو الواعد، وإطلاق المصدر على الفاعل للمبالغة، يعني: الواعد في فعله بالخير والشر، والوعد يستعمل في الخير والشر، يقال: وعدته خيرا ووعدته شرا، فإذا أسقط الخير والشر يقال في الخير: الوعد والعدة، وفي الشر: الإيعاد والوعيد. وتقديره في كونه اسم زمان، و: عند الله الموعد يوم القيامة وتقديره في كونه اسم مكان، و: عند الله الموعد في الحشر، وحاصل المعنى على كل تقدير: فالله تعالى يحاسبني إن تعمدت كذبا، ويحاسب من ظن بي ظن السوء. قوله: (عمل أموالهم)، أي: الزرع والغرس. قوله: (على ملء بطني)، بكسر الميم. قوله: (وأعي)، أي: أحفظ من: وعى يعي وعيا إذا حفظ، وفهم. وأنا واع، والأمر منه: ع أي: إحفظ. قوله: (ثم يجمعه)، بالنصب عطفا على قوله: لن يبسط، وكذا قوله: فينسى، والمعنى: إن البسط المذكور والنسيان لا يجتمعان، لأن البسط الذي بعده الجمع المتعقب للنسيان منفي، فعند وجود البسط ينعدم النسيان، وبالعكس فافهم. قوله: (نمرة)، بفتح النون وكسر الميم: وهي بردة من صوف يلبسها الأعراب، والمراد: بسط بعضها لئلا يلزم كشف العورة. قوله: (فوالذي بعثه بالحق) أي: فحق الله الذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم. قوله: * (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات) * (البقرة: 951، 061). هذه آيتان في سورة البقرة * (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذي تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم) * (البقرة: 951، 061). هذا وعيد شديد لمن كتم ما جاءت به الرسل من الدلالات البينة الصحيحة، والهدي النافع للقلوب من بعد ما بينه الله لعباده في كتبه التي أنزلها على رسله، قال ابن عباس: نزلت في رؤساء اليهود: كعب بن الأشرف وكعب بن أسيد ومالك بن الضيف وغيرهم، كانوا يتمنون أن يكون النبي منهم، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم خافوا أن تذهب مأكلتهم من السفلة، فعمدوا إلى صفة النبي صلى الله عليه وسلم فغيروها في كتابهم ثم أخرجوها إليهم، فقالوا: هذا نعت النبي الذي يبعث في آخر الزمان، وهو لا يشبه نعت النبي الذي بمكة، فلما تطرق السلفة إلى صفة النبي من التي غيروها جحدوه لأنهم وجدوه مخالفا، فقال الله تعالى: * (إن الذين يكتمون) * (البقرة: 951، 061). وقال أبو العالية: نزلت في أهل الكتاب كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ثم أخبر أنهم يلعنهم كل شيء على صنيعهم ذلك، ولعنة الله على عباده عبارة عن طرده إياهم وإبعاده، ولعنة اللاعنين عبارة عن دعائهم باللعن قوله: * (اللاعنون) * (البقرة: 951، 061). جمع: لاعن، يعني: دواب الأرض، هكذا قال البراء بن عازب، وقال عطاء بن أبي رباح: اللاعنون كل دابة والجن والإنس، وقال مجاهد: إذا أجدبت الأرض قالت البهائم: هذا من أجل عصاة بني آدم، لعن الله عصاة بني آدم. وقال قتادة وأبو العالية والربيع بن أنس: * (يلعنهم اللاعنون) * (البقرة: 951، 061). يعني: يلعنهم ملائكة الله والمؤمنون، ثم استثنى الله تعالى من هؤلاء من تاب إليه بقوله: * (إلا الذين تابوا) * (البقرة: 951، 061). الآية.
وفيه: دلالة على أن الداعية إلى كفر أو بدعة إذا تاب تاب الله عليه. قوله: * (وبينوا) * أي: رجعوا عما كانوا فيه وأصلحوا أحوالهم وأعمالهم، وبينوا للناس ما كانوا كتموه. وقد ورد أن الأمم السالفة لم تكن تقبل التوبة من مثل هؤلاء، ولكن هذا من شريعة نبي التوبة ونبي الرحمة صلى الله عليه وسلم.
24 ((كتاب المساقاة)) أي: هذا كتاب في بيان أحكام المساقاة، ولم يقع لفظ: كتاب المساقاة في كثير من النسخ، ووقع في بعض النسخ: كتاب الشرب، ووقع لأبي ذر التسمية، ثم قوله: في الشرب، ثم قوله تعالى: * (وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون) * (الأنبياء: 03).