قدر خمسة عشر صاعا). وروى الدارقطني من رواية سفيان عن منصور عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة، وفيه: (فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر)، ورواه البيهقي أيضا ثم قال: وكذلك رواه إبراهيم بن طهمان عن منصور بن المعتمر، قال فيه: (بمكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر)، ورواه الدارقطني أيضا من رواية روح عن محمد ابن أبي حفصة عن الزهري عن حميد قال وفيه: بزبيل وهو المكتل فيه خمسة عشر صاعا أحسبه تمرا. قال: وكذلك قال هقل بن زياد، والوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري. وقال الخطابي: وظاهره يدل على أن قدر خمسة عشر صاعا يكفي للكفارة عن شخص واحد لكل مسكين مد، قال: وقد جعله الشافعي أصلا لمذهبه في أكثر المواضع التي يجب فيها الإطعام، وعندنا: الواجب لكل مسكين نصف صاع من بر أو صاع من تمر، كما في كفارة الظهار، لما روى الدارقطني عن ابن عباس: (يطعم كل يوم مسكينا نصف صاع من بر) وعن عائشة في هذه القصة: (أتي بعرق فيه عشرون صاعا) ذكره السفاقسي في (شرح البخاري) ويروى: (ما بين خمسة عشر صاعا إلى عشرين)، وفي (صحيح مسلم): فأمره أن يجلس، فجاء عرقان فيهما طعام فأمره أن يتصدق به، فإذا كان العرق خمسة عشر صاعا، فالعرقان ثلاثون صاعا على ستين مسكينا لكل مسكين نصف صاع. وقال بعضهم: ووقع في بعض طرق عائشة عند مسلم: فجاءه عرقان، والمشهور في غيرها: عرق، ورجحه البيهقي، وجمع غيره بينهما بتعدد الواقعة. وقال: الذي يظهر أن التمر كان قدر عرق، لكنه كان في عرقين في حال التحميل على الدابة ليكون أسهل في الحمل، فيحتمل أن الآتي به لما وصل أفرغ أحدهما في الآخر، فمن قال: عرقان، أراد ابتداء الحال، ومن قال: عرق، أراد ما آل إليه. قلت: كون المشهور في غير طرق عائشة عرقا لا يستلزم رد ما روي في بعض طرق عائشة: أنه عرقان، ومن أين ترجيح رواية غير مسلم على رواية مسلم؟ فهذا مجرد دعوى لتمشية مذهبه. وقول من يدعي تعدد الواقعة غير صحيح، لأن مخرج الحديث واحد، والأصل عدم التعدد. وقول هذا القائل: والذي يظهر... إلى آخره، ساقط جدا وتأويل فاسد، فمن أين هذا الظهور الذي يذكره بغير أصل ولا دليل من نفس الكلام ولا قرينة من الخارج؟ وإنما هو من آثار أريحية التعصب نصرة لما ذهب إليه، والحق أحق أن يتبع، والله ولي العصمة.
النوع الثالث: احتج به الشافعي وداود وأهل الظاهر على أنه: لا يلزم في الجماع على الرجل والمرأة إلا كفارة واحدة، إذ لم يذكر له النبي صلى الله عليه وسلم حكم المرأة، وهو موضع البيان، وقال أبو حنيفة ومالك وأبو ثور: تجب الكفارة على المرأة أيضا إن طاوعته، وقال القاضي: وسوى الأوزاعي بين المكرهة والطائعة على مذهبه، وقال مالك، في المشهور من مذهبه في المكرهة: يكفر عنها بغير الصوم. وقال سحنون: لا شيء عليها، ولا عليه لها، وبهذا قال أبو ثور وابن المنذر، ولم يختلف مذهبنا في قضاء المركهة والنائمة إلا ما ذكره ابن القصار عن القاضي إسماعيل عن مالك أنه لا غسل على الموطوءة نائمة ولا مكرهة إلا أن تلتذ قال ابن قصار: فتبين من هذا أنها غير مفطرة، وقال القاضي: وظاهرة أنه لا قضاء على المكرهة إلا أن تلتذ، ولا على النائمة لأنها كالمحتلمة، وهو قول أبي ثور في النائمة والمكرهة.
واختلف في وجوب الكفارة على المكره على الوطىء لغيره. على هذا، وحكى ابن القصار عن أبي حنيفة: لا يلزم المكره عن نفسه ولا على من أكرهه، وقال صاحب (البدائع): وأما على المرأة فتجب عليها أيضا الكفارة إذا كانت مطاوعة، وللشافعي قولان: في قول: لا يجب عليها أصلا، وفي قول: يجب عليها ويتحملها الزوج. وأما الجواب عن قولهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر حكم المرأة وهو موضع البيان، أن المرأة لعلها كانت مكرهة أو ناسية لصومها، أو من يباح لها الفطر ذلك اليوم لعذر المرض أو السفر أو الصغر أو الجنون أو الكفر أو الحيض أو طهارتها من حيضها في أثناء النهار.
النوع الرابع: في أن الواجب إطعام ستين مسكينا خلافا لما روي عن الحسن أنه رأى أن يطعم أربعين مسكينا عشرين صاعا، حكاه ابن التين عنه، وحكوا عن أبي حنيفة أنه قال: يجزيه أن يدفع طعام ستين مسكينا إلى مسكين واحد. قالوا: والحديث حجة عليه. قلت: الذي حكى مذهب أبي حنيفة لم يعرف مذهبه فيه، وحكي من غير معرفة، ومذهبه أنه إذا دفع إلى مسكين واحد في شهرين يجوز، فلا يكون الحديث حجة عليه، لأن المقصود سد خلة المحتاج، والحاجة تتجدد بتجدد الأيام فكان في اليوم الثاني كمسكين آخر حتى لو أعطى مسكينا واحدا كله في يوم واحد لا يصح إلا عن يومه، ذلك، لأن الواجب