القيمة وإن كان دونه فلا، هكذا حده أبو بكر وابن أبي موسى من الحنابلة، وقيل: السدس، وعن داود: العقد باطل، وعن مالك: إن كانا عارفين بتلك السلعة وسعرها وقت البيع لم يفسخ البيع، كثيرا كان الغبن أو قليلا، فإن كان أحدهما غير عارف بذلك فسخ البيع ألا أن يريد أن يمضيه، ولم يحد مالك حدا، وأثبت هؤلاء خيار الغبن بالحديث المذكور.
وأجاب الحنفية والشافعية وجمهور العلماء عن الحديث بأنها واقعة عين وحكاية حال، وقال ابن العربي ينبغي أن يقال: إنه كله مخصوص بصاحبه، لا يتعدى إلى غيره فإن كان يخدع في البيوع فيحتمل أن الخديعة كانت في العيب أو في العين أو في الكذب أو في الغبن في الثمن، وليست قضية عامة، فتحمل على العموم، وإنما هي خاصة في عين وحكاية حال، فلا يصح دعوى العموم فيها عند أحد. ثم أورد ابن العربي على نفسه قول عمر، رضي الله تعالى عنه، فيما رواه الدارقطني من طريق ابن أبي لهيعة: حدثنا حبان بن واسع عن طلحة بن يزيد بن ركانة أنه كلم عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنهم، في البيوع، فقال: ما أجد لكم شيئا أوسع مما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لحبان ابن منقذ... فذكر الحديث، فلم يجعل عمر خاصا به. ثم أجاب عنه بضعف الحديث من أجل ابن لهيعة. انتهى. وقال الجمهور أيضا: لو كان الغبن مثبتا للخيار لما احتاج إلى اشتراط الخيار، كما رواه البيهقي والدارقطني في بعض طرق الحديث أنه اشترط الخيار ثلاثا، ولا احتاج أيضا إلى قوله: لا خلابة.
الثاني: استدل به الشافعي وأحمد وإسحاق، رضي الله تعالى عنهم، على حجر السفيه الذي لا يحسن التصرف، ووجه ذلك أنه لما طلب أهله إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، الحجر عليه، دعاه فنهاه عن البيع، وهذا هوالحجر، وهو: المنع: قلنا: هذا نهي خاص به لضعف عقله، ولا يسري هذا في الحجر على الحر العاقل البالغ، لأن في حقه إهدار الآدمية. وقد روى الترمذي من حديث أنس أن رجلا كان في عقدته ضعف، وكان يبايع، وأن أهله أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! أحجر عليه. فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فنهاه، قال: يا رسول الله إني لا أصبر عن البيع، فقال: إذا بايعت فقل: ها ولا خلابة. ورواه بقية أصحاب السنن، وقال النووي: هذا الرجل المبهم هو حبان بن منقذ. وقال ابن العربي: هو منقذ بن عمرو، والأول أرجح. قوله: (في عقدته ضعف) أرادت ضعف العقل وعقدة الرجل ما عقد عليه ضميره ونيته، أي: عزم عليه ونواه.
الثالث: استدل به أبو حنيفة إلى أن ضعيف العقل لا يحجر عليه، لأنه لما قال له: إنه لا يصبر على البيع أذن له فيه بالصفة التي ذكرها، فهذا دال على عدم الحجر.
الرابع: استدل به ابن حزم على أنه يتعين في اللفظ الموجب للخيار ذكر الخلابة دون غيره من الألفاظ، فلو كان: لا خديعة أو: غش أو: لا كيد أو: لا مكر أو: لا عيب أو: لا ضرر أو: لا داء، أو: لا غائلة أو: لا خبث أو: على السلامة أو نحو هذا، لم يكن له الخيار المجعول لمن قال: لا خلابة، إلا أن يكون في لسانه خلل يعجز عن اللفظ بها، فيكفي أن يأتي بما يقدر عليه من هذا للفظ، كما كان يفعل هذا الرجل المذكور من قوله: لا خيابة، بالياء آخر الحروف، أو: لا خذابة بالذال، على اختلاف الروايتين. وكذلك إن لم يكن يحسن العربية فقال معناها باللسان الذي يحسنه، فإنه يثبت له الخيار. وقال بعضهم: ومن أسهل ما يرد به عليه أنه ثبت في (صحيح) مسلم أنه كان يقول: لا خيابة، بالتحتانية بدل اللام، وبالذال المعجمة بدل اللام أيضا، وكأنه كان لا يفصح باللام للثغة لسانه، ومع ذلك لم يتغير الحكم في حقه عند أحد من الصحابة الذين كانوا يشهدون له بأن النبي صلى الله عليه وسلم جعله بالخيار، فدل على أنهم اكتفوا في ذلك بالمعنى. انتهى. قلت: هذا عجيب، وكيف يكون هذا أسهل ما يرد به عليه وهو قائل بما ذكره هذا القائل عند العجز، وكلامه عند القدرة.
الخامس: قال بعضهم: استدل به على أن أمد خيار الشرط ثلاثة أيام من غير زيادة، لأنه حكم ورد على خلاف الأصل، فيقتصر به على أقصى ما ورد فيه، ويؤيده جعل الخيار في المصراة ثلاثة أيام. واعتبار الثلاث في غير موضع. انتهى.
قلت: هذا الباب فيه اختلاف الفقهاء. فقالت: طائفة: البيع بشرط الخيار جائز، والشرط لازم إلى الأمد الذي اشترط إليه الخيار، وهذا قول ابن أبي ليلى والحسن بن صالح وأبي يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق وأبي ثور وداود وابن المنذر. وقال الليث: يجوز الخيار إلى ثلاثة أيام فأقل. وقال عبيد الله بن الحسن: لا يعجبني شرط الخيار الطويل إلا أن الخيار للمشتري ما رضي البائع. وقال ابن شبرمة والثوري: لا يجوز البيع إذا شرط فيه الخيار للبائع أو لهما. وقال سفيان: البيع فاسد بذلك، فإن شرط الخيار للمشتري عشرة أيام أو أكثر جاز. وقال مالك: يجوز شرط الخيار في بيع الثوب اليوم واليومين، والجارية إلى خمسة أيام، والجمعة، والدابة تركب