عمدة القاري - العيني - ج ١١ - الصفحة ٩٦
ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا شعبة عن أنس بن سيرين عن عبد الملك بن المنهال عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بصيام أيام البيض: ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة، ويقول: (هو كصوم يوم الدهر. أو كهيئة صوم الدهر) وروى أيضا: حدثنا إسحاق بن منصور، قال: حدثنا حيان بن هلال، قال: حدثنا همام عن أنس بن سيرين قال: حدثني عبد الملك بن قتادة بن ملحان القيسي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، ورواه النسائي إلا أنه قال: قدامة بن ملحان قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالصيام أيام الليالي الغر البيض: ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة) ورواه أبو داود إلا أنه قال: عن أنس عن ابن ملحان القيسي عن أبيه... فذكره ولم يسمه، وقال الحافظ المزي تبعا للحافظ ابن عساكر: ويشبه أن يكون ابن كثير أي شيخ أبي داود نسبه إلى جده، وقال الحافظ أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي: قيل: إنه ملحان بن شبل البكري والد عبد الملك بن ملحان، ذكره ابن عبد البر في الصحابة، قال: وقيل: بل هو قتادة ابن ملحان والد عبد الملك بن قتادة بن ملحان، ولقتادة هذا صحبة فيما ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر أباه في كتابه، ولا أبو القاسم البقوي في (معجم الصحابة)، قال: وذكرهما أعني: قتادة وملحان أبو عمر بن عبد البر في (الاستيعاب) فإن قلت: روى النسائي بإسناد صحيح من رواية سعيد بن أبي هند أن مطرفا حدثه أن عثمان بن أبي العاص، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (صيام حسن ثلاثة أيام من كل شهر) وأخرجه ابن حبان أيضا في (صحيحه) هذا ولم يعين فيه أياما بعينها، وروى النسائي أيضا من حديث حفصة، رضي الله تعالى عنها، قالت: (أربع لم يكن يدعهن النبي صلى الله عليه وسلم: صيام عاشوراء، وأول العشر، وثلاثة أيام من كل شهر، وركعتين قبل الغداة). وروى أبو داود من حديث حفصة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من الشهر: الاثنين والخميس والاثنين من الجمعة الأخرى). وهذا فيه غير أيام البيض.
وروى أبو داود والنسائي من رواية الحسن بن عبيد الله عن هنيدة الخزاعي عن أمه، قالت: دخلت على أم سلمة، رضي الله تعالى عنها، فسألتها عن الصيام؟ فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر: أولها الاثنين والخميس)، والخميس لفظ أبي داود. وقال النسائي: يأمر بصيام ثلاثة أيام: أول خميس والاثنين، وقد رواه أبو داود والنسائي من رواية الحر بن الصباح عن هنيدة عن امرأته عن بعض أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم، غير مسماة، وروى ابن عدي في (الكامل) من حديث أبي الدرداء، قال: (أوصاني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بغسل يوم الجمعة، وركعتي الضحى، ونوم على وتر، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر).
وروى يوسف القاضي في (كتاب الصيام) من حديث علي، رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: (صوم شهر الضبر وثلاثة أيام من كل شهر صوم الشهر، ويذهب بوحر الصدر). والوحر، بفتح الحاء المهملة: الغل. وروى الطبراني في (المعجم الكبير) من حديث النمر بن تولب من حديث الجريري عن أبي العلاء، قال: كنا بالمربد، فأتانا أعرابي ومعه قطعة أديم، فقال: انظروا ما فيها! فإذا كتاب من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفيه: (فقلت أنت سمعت هذا من رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، وسمعته يقول: صوم شهر الصبر وصيام ثلاثة أيام من الشهر يذهبن وغر الصدر)، وفيه: (فسألت عنه، فقيل: هذا نمر بن تولب). وأصل الحديث رواه أبو داود والترمذي، وليست فيه قصة الصيام ولم يسم فيه الصحابي. والوغر، بالتسكين: الضغن والعداوة، وبالتحريك: المصدر. قلت: هو بالغين المعجمة، وأصله من الوغرة وهي شدة الحر.
وروى أبو نعيم في (الحلية) من حديث جابر، رضي الله تعالى عنه، قال: (خرج علينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: ألا أخبركم بغرف الجنة...) الحديث، وفيه: (فقلنا: لمن تلك؟ فقال: لمن أفشى السلام وأدام الصيام..) الحديث، وفيه: (ومن صام رمضان، ومن كل شهر ثلاثة أيام فقد أدام الصيام). قلت: التوفيق بين هذه الأحاديث أن كل من رأى النبي، صلى الله عليه وسلم، فعل نوعا ذكره، وكانت عائشة، رضي الله تعالى عنها، رأت منه جميع ذلك، فلذلك أطلقت فيما رواه مسلم من حديثها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ما يبالي من أي الشهر صام)، والذي أمر به وحث عليه ووصى له، وروي ذلك عن جماعة من الصحابة، رضي الله تعالى عنهم، عن النبي صلى الله عليه وسلم على ما نذكره، فهو أولى من غيره. وأما النبي صلى الله عليه وسلم فلعله كان يعرض له ما يشغله عن مراعاة ذلك، أو كان يفعل ذلك لبيان الجواز. فإن قلت: أي: الفصلين يترجح؟
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»