عمدة القاري - العيني - ج ١١ - الصفحة ٢٤٠
انصرف حتى أتى فناء فاطمة، رضي الله تعالى عنها، وأخرجه الحميدي في (مسنده) عن سفيان، فقال فيه: حتى إذا أتى فناء بيت عائشة فجلس فيه. والأول أرجح. قوله: (فقال أثم لكع؟) أي: قال النبي صلى الله عليه وسلم، وأراد به الحسن، وقيل: الحسين على ما سيأتي، والهمزة في: إثم؟ للاستفهام، و: ثم، بفتح الثاء المثلثة: اسم يشار به إلى المكان البعيد وهو ظرف لا يتصرف، فلذلك غلط من أعربه مفعولا لرأيت في قوله تعالى: * (وإذا رأيت ثم رأيت) * (الإنسان: 02). ولكع، بضم اللام وفتح الكاف وبالعين المهملة. قال الأصمعي: الكلع العيس الذي لا يتجه لنظر ولا لغيره، مأخوذ من الملاكيع، وهو الذي يخرج مع السلا من البطن. وقال الأزهري: القول قول الأصمعي، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للحسن وهو صغير: أين لكع؟ أراد أنه لصغره لا يتجه لمنطق ولا ما يصلحه، ولم يرد أنه لئيم ولا عبد، وعلم منه أن اللئيم يسمى لكعا أيضا، وكذلك العبد يسمى به. وفي (التلويح) الأشبه والأجود أن يحمل الحديث على ما قاله بلال بن جرير الخطفي، وسئل عن اللكع؟ فقال: في لغتنا هو الصغير. قال الهروي: وإلى هذا ذهب الحسن، إذا قال الإنسان: لا يكع، يريد: يا صغير ويقال للمرأة: لكيعة ولكعاء ولكاع وملكعانة، ذكره في (الموعب). وقال سيبويه: لا يقال ملكعانة إلا في النداء، وعن ابن يزيد، اللكع الغلو، والأنثى لكعة. وفي (المحكم): اللكع المهر. وفي (الجامع): أصل اللكع من اللكع ولكن قلب. قوله: (فحسبته شيئا) أي: فحبست فاطمة الحسن، أي: منعته من المبادرة إلى الخروج إليه قليلا. قوله: (فظننت)، قائله أبو هريرة. (أنها)، أي: أن فاطمة (تلبسه) بضم التاء من الإلباس أي: تلبس الصغير (سخابا)، بكسر السين المهملة وبالخاء المعجمة الخفيفة وبعد الألف باء موحدة، قال الخطابي: هي قلادة تتخذ من طيب ليس فيها ذهب ولا فضة. وقال الداودي: من قرنفل. وقال الهروي: هي قلادة من خيط فيها خرز تلبسه الصبيان والجواري، وروى الإسماعيلي عن ابن أبي عمر أحد رواة هذا الحديث قال: السخاب شيء يعمل من الحنظل كالقميص والوشاح. قوله: (أو تغسله) بالتشديد، وفي رواية الحميدي: (وتغسله) بالواو. قوله: (فجاء يشتد) أي: يسرع في المشي، وفي رواية عمر بن موسى عند الإسماعيلي: (فجاء الحسن أو الحسين)، وقد أخرجه مسلم عن ابن أبي عمر، فقال في روايته: (أثم لكع؟) يعني: حسنا، وكذا قال الحميدي في (مسنده)، وسيأتي في اللباس من طريق ورقاء عن عبيد الله بن أبي يزيد بلفظ: (فقال: أين لكع؟ أدع لي الحسن بن علي، فقام الحسن بن علي يمشي). قوله: (حتى عانقه)، وفي رواية ورقاء عن عبيد الله بن أبي يزيد بلفظ: (فقال النبي صلى الله عليه وسلم بيده هكذا)، أي: مدها. فقال الحسن بيده هكذا، فالتزمه قوله: (اللهم أحبه)، بلفظ الدعاء وبالإدغام، وفي رواية الكشميهني: أحببه، بفك الإدغام، وزاد مسلم عن ابن أبي عمر: (فقال: اللهم إني أحبه فأحبه). قوله: (وأحب) أمر أيضا. وقوله: (من يحبه)، في محل النصب مفعوله.
ذكر ما يستفاد منه فيه: بيان ما كان الصحابة عليه من توقير النبي صلى الله عليه وسلم والمشي معه. وفيه: ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم عليه من التواضع من الدخول في السوق والجلوس بفناء الدار ورحمته الصغير والمزاح معه، وقال السهيلي: وكان صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقا، وههنا أراد تشبيهه بالفلو والمهر، لأنه طفل، وإذا قصد بالكلام التشبيه لم يكن إلا صدقا. وفيه: جواز المعانقة وفيها خلاف، فقال محمد بن سيرين وعبد الله بن عون وأبو حنيفة ومحمد: المعانقة مكروهة، واحتجوا في ذلك بما رواه الترمذي: حدثنا سويد، قال: أخبرنا عبد الله، قال: أخبرنا حنظلة بن عبيد الله (عن أنس بن مالك، قال: قال رجل: يا رسول الله! الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه، أفينحني له؟ فقال: لا. قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: لا. قال: أفيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: نعم). قال الترمذي: هذا حديث حسن. وقال الشعبي وأبو مجلز: لاحق بن حميد وعمرو بن ميمون والأسود بن هلال وأبو يوسف: لا بأس بالمعانقة. وروي ذلك عن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، واحتجوا في ذلك بما رواه الطحاوي: حدثنا فهد، قال: حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء، وقال: حدثنا أسد بن عمرو عن مجالد بن سعيد عن عامر عن عبد الله بن جعفر عن أبيه قال: لما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم من عند النجاشي تلقاني فاعتنقني، ورجاله ثقات، ومجالد بن سعيد وثقه النسائي، وروى له الأربعة، وروى الطحاوي عن جماعة من الصحابة أنهم كانوا يتعانقون، قال: فدل ذلك على أن ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من إباحة المعانقة كان متأخرا عما روي عنه من النهي عن ذلك، وفي (التلويح): معانقته صلى الله عليه وسلم للحسن إباحة ذلك،
(٢٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 ... » »»