نسخ الوجوب وبقي الاستحباب كما ذكرنا، وقال الطحاوي، بعد أن روى هذا الحديث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما صامه شكرا لله تعالى في إظهار موسى، عليه السلام، على فرعون، فذلك على الاختيار لا على الفرض. انتهى. قلت: وفيه بحث، لأن لقائل أن يقول: لا نسلم أن ذلك على الاختيار دون الفرض، لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بصومه، والأمر المجرد عن القرائن يدل على الوجوب، وكونه صامه شكرا لا ينافي كونه للوجوب كما في سجدة (ص)، فإن أصلها للشكر مع أنها واجبة.
ذكر رجاله وهم ستة: الأول: أبو معمر، بفتح الميمين: عبد الله بن عمرو المنقري المقعد. الثاني: عبد الوارث بن سعيد. الثالث: أيوب السختياني. الرابع: عبد الله بن سعيد بن جبير. الخامس: سعيد بن جبير. السادس: عبد الله بن عباس، رضي الله تعالى عنهما.
ذكر لطائف إسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في أربعة مواضع. وفيه: العنعنة في موضعين. وفيه: أن الرواة الثلاثة الأول بصريون والثلاثة الأخر كوفيون. وفيه: أن عبد الوارث راوي أبي معمر شيخ البخاري. وفيه: أيوب عن عبد الله بن سعيد، ووقع في رواية ابن ماجة من وجه آخر: عن سعيد بن جبير، والمحفوظ أنه عن أيوب بواسطة.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في أحاديث الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، عن علي بن عبد الله عن سفيان، وأخرجه مسلم في الصوم أيضا عن محمد بن يحيى وعن إسحاق بن إبراهيم، وأخرجه أبو داود فيه عن زياد بن أيوب. وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن منصور عن سفيان وعن إسماعيل بن يعقوب. وأخرجه ابن ماجة عن سهل بن أبي سهل عن سفيان.
ذكر معناه: قوله: (فرأى اليهود تصوم)، وفي رواية مسلم: (فوجد اليهود يصومون)، وفي لفظ له: (فوجد اليهود صياما. قوله: (فقال: ما هذا؟) وفي لفظ للبخاري في تفسير طه: (فسألهم)، وفي رواية مسلم: (فسئلوا عن ذلك، فقالوا: هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون ونحن نصومه). قوله: (فصام) أي: النبي، صلى الله عليه وسلم، تعظيما له. وفي لفظ له: (قالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله تعالى فيه موسى وقومه وغرق فرعون وقومه، فصامه موسى، عليه الصلاة والسلام، شكرا، فنحن نصومه). قوله: (فصامه) أي: النبي صلى الله عليه وسلم وليس معناه أنه صامه ابتداء، لأنه قد علم في حديث آخر أنه كان يصومه قبل قدومه المدينة، فعلى هذا معناه أنه ثبت على صيامه وداوم على ما كان عليه. قيل: يحتمل أنه كان يصومه بمكة ثم ترك صومه، ثم لما علم ما عند أهل الكتاب فيه صامه. فإن قيل: ظاهر أن الخبر يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة وجد اليهود صياما يوم عاشوراء، والحال أنه، صلى الله عليه وسلم، قدم المدينة في ربيع الأول. وأجيب: بأن المراد أول علمه بذلك، وسؤاله عنه بعد أن قدم المدينة لا قبل أن يقدمها علم ذلك، وقيل: في الكلام حذف تقديره: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فأقام إلى يوم عاشوراء، فوجد اليهود فيه صياما. وقيل: يحتمل أن يكون أولئك اليهود كانوا يحسبون يوم عاشوراء بحساب السنين الشمسية، فصادف يوم عاشوراء بحسابهم اليوم الذي قدم فيه، صلى الله عليه وسلم، المدينة. وفيه نظر لا يخفى. قوله: (وأمر بصيامه)، وللبخاري في تفسير يونس من طريق أبي بشر: (فقال لأصحابه: أنتم أحق بموسى منهم فصوموه.
فإن قلت: خبر اليهود غير مقبول، فكيف عمل، صلى الله عليه وسلم، بخبرهم؟ قلت: لا يلزم أن يكون عمله في ذلك اعتمادا على خبرهم، لاحتمال أن الوحي نزل حينئذ على وفق ما حكوا من قصة هذا اليوم. وقيل: إنما صامه باجتهاده. وقيل: إنه أخبره من أسلم منهم، كعبد الله بن سلام، رضي الله تعالى عنه، أو كان المخبرون من اليهود عدد التواتر، ولا يشترط في التواتر الإسلام، قاله الكرماني، وقال القاضي عياض: قد ثبت أن قريشا كانت تصومه، وأن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يصومه، فلما قدم المدينة صامه فلم يحدث له صوم اليهود حكما يحتاج إلى التكلم عليه، وإنما هي صفة حال وجواب سؤال، فدل أن قوله في الحديث: (فصامه) ليس ابتداء صومه بذلك حينئذ، ولو كان هذا لوجب أن يقال: صحح هذا ممن أسلم من علمائهم ووثقه ممن هذاه من أحبارهم كابن سلام وبني سعيد وغيرهم.
5002 حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا أبو أسامة عن أبي عميس عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيدا قال