جرير وابن أبي حاتم، وقال سعيد بن المسيب: طعامه ما لفظه حيا أو حسر عنه فمات، رواه ابن أبي حاتم، وقال ابن جرير: وقد ورد في ذلك خبر وبعضهم يرويه موقوفا. حدثنا هناد بن السري، قال: حدثنا عبدة بن سليمان عن محمد ابن عمرو حدثنا أبو سلمة (عن أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، * (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم) * (المائدة: 69). قال: طعامه ما لفظه ميتا). ثم قال: وقد وقفه بعضهم على أبي هريرة. قوله: * (متاعا لكم) * (المائدة: 69). نصب على أنه مفعول له، أي: أحل لكم لأجل التمتع لكم تأكلون طريا ولسيارتكم يتزودونه قديدا كما تزود موسى، عليه الصلاة والسلام، الحوت في مسيره إلى الخضر، عليه الصلاة والسلام، والسيارة: جمع سيار، وهم المسافرون، وكان بنو مدلج ينزلون سيف البحر فسألوه عما نضب عنه الماء من السمك، فنزلت قوله: * (وحرم عليكم صيد البر) * (المائدة: 69). صيد البر ما يفرح فيه وإن كان يعيش في الماء في بعض الأوقات كطير الماء. قوله: * (ما دمتم حرما) * (المائدة: 69). أي: ما دمتم محرمين أي: حال أحرامكم يحرم عليكم الإصطياد وقرأ ابن عباس وحرم عليكم صيد البر على بناء الفاعل ونصب الصيد حرم الله عليكم، وقرئ: ما دمتم، بكسر الدال من: دام يدام. قوله: * (واتقوا الله الذي إليه تحشرون) * (المائدة: 69). أي: خافوا الله الذي إليه تجمعون يوم القيامة فيجازيكم بحسب أعمالكم.
النوع الثالث: في استنباط الأحكام وبيان مذاهب الأئمة في هذا الباب، وهو على وجوه:
الأول: في قتل الصيد في حالة الإحرام، وهو حرام بلا خلاف، ويجب الجزاء بقتله لقوله تعالى: * (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) * (المائدة: 59). وسواء في ذلك كان القاتل ناسيا أو عامدا أو مبتدئا في القتل أو عائدا إليه لأن الصيد مضمون بالإتلاف كغرامة الأموال، فيستوي فيه الأحوال وقيد العمدية في الآية المذكورة، أما لأن مورد النص فيمن تعمد، أو لأن الأصل فعل المتعمد، والخطأ ملحق به للتغليظ. قال الزهري: نزل الكتاب بالعمد وجاءت السنة بالخطأ. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا ابن علية (عن أيوب، قال: نبئت عن طاووس قال: لا يحكم على من أصاب صيدا خطأ، إنما يحكم على من أصابه متعمدر)، وهذا مذهب غريب وهو متمسك بظاهر الآية، وبه قال أهل الظاهر وأبو ثور وابن المنذر وأحمد في رواية، وقال مجاهد: المراد بالمتعمد القاصد إلى قتل الصيد الناسي لإحرامه، فأما المتعمد لقتل الصيد مع ذكره لإحرامه فذاك أمره أعظم من أن يكفر وقد بطل إحرامه، رواه ابن جرير عنه من طريق ابن أبي نجيح وليث بن أبي سليم وغيرهما عنه، وهو قول غريب أيضا. وقال الزهري: إن قتله متعمدا قيل له: هل قتلت قبله شيئا من الصيد؟ فإن قال: نعم، لم يحكم عليه، وقيل له: إذهب فينتقم الله منك. وإن قال: لم أقتل حكم عليه، وإن قتل بعد ذلك لم يحكم عليه، ويملأ ظهره وبطنه ضربا وجيعا، وبذلك حكم النبي صلى الله عليه وسلم في صيدوج، واد بالطائف، والذي عليه الجمهور ما ذكرناه.
الوجه الثاني: في وجوب الجزاء في قوله: * (فجزاء مثل ما قتل من النعم) * (المائدة: 59). فقال مالك والشافعي ومحمد بن الحسن: المراد بالآية إخراج مثل الصيد المقتول من النعم إن كان له مثل، ففي النعامة بدنة، وفي بقرة الوحش وحماره بقرة، وفي الغزال عنزة وفي الأرنب عناق، وفي اليربوع جفرة، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: الواجب القيمة فإن كان له مثل ثمة يشترى بتلك القيمة هذي أو طعام أو يتصدق بقيمته، وقال ابن كثير في (تفسيره) محتجا للشافعي ومن معه في قوله تعالى: * (فجزاء مثل ما قتل من النعم) * (المائدة: 59). على كل من القراءتين دليل لما ذهب إليه مالك والشافعي وأحمد والجمهور من وجوب الجزاء من مثل ما قتله المحرم إذا كان له مثل من الحيوان الأنسي، خلافا لأبي حنيفة حيث أوجب القيمة سواء كان الصيد المقتول مثلما أو غير مثلي، وهو مخير، إن شاء تصدق بثمنه، وإن شاء اشترى به هديا، والذي حكم به الصحابة في المثلي أولى بالاتباع، فإنهم حكموا في النعامة ببدنة، وفي بقر الوحش ببقرة، وفي الغزال بعنز، وأما إذا لم يكن الصيد مثليا فقد حكم ابن عباس فيه بثمنه يحمل إلى مكة، رواه البيهقي، وروى مالك في (الموطأ): أخبرنا أبو الزبير عن جابر أن عمر، رضي الله تعالى عنه، قضى في الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب بعناق، وفي اليربوع بجفرة. انتهى. وعن مالك، رواه الشافعي في (مسنده) وعبد الرزاق في (مصنفه)، وأخر رواه الشافعي، ومن جهته البيهقي في (سننه): عن سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء الخراساني: أن عمر