عمدة القاري - العيني - ج ١٠ - الصفحة ١٦٣
بقيمة المقتول لأن الوجوب عليه، كما في اليمين، فالخيار إليه وحكم الحكمين لتقدير القيمة، وهديا نصب على الحال، أي: في حال الإهداء فإن قلت: إذا كان القاتل أحد الحكمين هل يجوز؟ قلت: يجوز عند الشافعي وأحمد، وعند مالك: لا يجوز، لأن الحاكم لا يكون محكوما عليه في صورة واحدة. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين حدثنا جعفر هو ابن برقان (عن ميمون بن مهران: أن أعرابيا أتي أبا بكر، رضي الله تعالى عنه، قال: قتلت صيدا وأنا محرم، فما ترى علي من الجزاء؟ فقال أبو بكر لأبي بن كعب، وهو جالس عنده: ما ترى فيها؟ قال: فقال الأعرابي: أتيتك وأنت خليفة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أسألك، فإذا أنت تسأل غيرك؟ فقال أبو بكر، رضي الله تعالى عنه: وما تنكر بقول الله تعالى: * (فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل) * (المائدة: 59). فشاورت صاحبي حتى إذا اتفقنا على أمر أمرناك به). وهذا إسناد جيد لكنه منقطع بين ميمون وبين الصديق، ومثله يحتمل ههنا. وقال ابن جرير: حدثنا وكيع ابن عيينة عن مخارق عن طارق قال أرطأ: أريد ظبيا، فقتله وهو محرم، فأتى عمر، رضي الله تعالى عنه، ليحكم عليه، فقال عمر: احكم معي، فحكما فيه جديا قد جمع الماء والشجر). قلت: مخارق هو ابن خليفة الأحمسي الكوفي، من رجال البخاري، والأربعة، وطارق هو ابن شهاب الأحمسي أبو عبد الله الكوفي، رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأدرك الجاهلية، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وغزا في خلافة أبي بكر وعمر، رضي الله تعالى عنهما، ثلاثا وثلاثين أو ثلاثا وأربعين من غزوة إلى سرية، مات سنة اثنتين وثمانين من الهجرة، وقال يحيى بن معين: مات سنة ثلاث وعشرين ومائة، وهو وهم، روى له الجماعة.
الوجه الرابع: في بيان الكفارة إذا لم يجد المحرم مثل ما قتل من النعم، أو لم يكن الصيد المقتول من ذوات الأمثال، أو قلنا بالتخيير في هذا المقام من الجزاء والإطعام والصيام، كما هو قول مالك وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، وأحد قولي الشافعي، والمشهور عن أحمد لظاهر، أو بأنها للتخيير، والقول الآخر، أنها على الترتيب، فصورة ذلك أن يعدل إلى القيمة فيقوم الصيد المقتول عند مالك وأبي حنيفة وأصحابه وحماد وإبراهيم. وقال الشافعي: يقوم مثله من النعم لو كان موجودا ثم يشتري به طعاما ويتصدق به فيصدق لكل مسكين مد منه عند الشافعي ومالك وفقهاء الحجاز، واختاره ابن جرير. وقال أبو حنيفة وأصحابه: يطعم لكل مسكين مدين، وهو قول مجاهد. وقال أحمد: مد من حنطة ومدان من غيره، فإن لم يجد قلنا بالتخيير، صام عن إطعام كل مسكين يوما. وقال ابن جرير. وقال آخرون: يصوم مكان كل صاع يوما، كما في جزاء المترفة بالحلق ونحوه، واختلفوا في مكان هذا الإطعام، فقال الشافعي: محله الحرم وهو قول عطاء، وقال مالك: يطعم في المكان الذي أصاب فيه الصيد أو أقرب الأماكن إليه، وقال أبو حنيفة: إن شاء أطعم في الحرم وإن شاء في غيره.
الوجه الخامس: في صيد البحر، وقد ذكرنا في فصل المعنى والإعراب شيئا من ذلك، وقد استدل جمهور العلماء على حل ميتة البحر بالآية المذكورة، وبحديث العنبر على ما يجيء، إن شاء الله تعالى، وقد احتج بهذه الآية الكريمة من ذهب من الفقهاء إلى أنه يؤكل كل دواب البحر، ولم يستثن من ذلك شيئا. وقد تقدم عن الصديق أنه قال: طعامه كل ما فيه، وقد استثنى بعضهم الضفادع، وأباح ما سواها لما رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي من رواية ابن أبي ذئب: عن سعيد بن خالد عن سعيد بن المسيب (عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نهى عن قتل الضفدع). وفي رواية للنسائي (عن عبيد الله بن عمر، وقال: نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن قتل الضفدع. وقال: نقيقها تسبيح) وقال آخرون: يؤكل من صيد البحر السمك، ولا يؤكل الضفدع. واختلفوا فيما سواهما، فقيل: يؤكل كل سائر ذلك. وقيل: لا يؤكل، وهذه كلها وجوه في مذهب الشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يؤكل ما مات في البحر كما لا يؤكل ما مات في البر لعموم قوله: * (حرمت عليكم الميتة) * (المائدة: 3). قلت: استثنى منه الجراد، لقوله صلى الله عليه وسلم: (أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد،. وأما الدمان فالكبد والطحال). وقال الترمذي: باب ما جاء في صيد البحر للمحرم، حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع عن حماد بن سلمة عن أبي المهزم (عن أبي هريرة، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حج أو عمرة، فاستقبلنا رجل من جراد، فجعلنا نضربه بأسياطنا وعصينا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلوا فإنه من صيد البحر) قال: هذا حديث غريب. وأبو المهزم، بضم الميم وفتح الهاء وكسر الزاي المشددة اسمه يزيد بن سفيان، وقد تكلم فيه
(١٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»