عمدة القاري - العيني - ج ١٠ - الصفحة ٧١
والآخر: الحلق قبل الذبح، وكل منهما إما ناسيا أو جاهلا يحكمه. أما الأول: فقد أجمع العلماء أن من رمى جمرة العقبة من طلوع الشمس إلى الزوال يوم النحر فقد أصاب سنتها ووقتها المختار. وأجمعوا أن من رماها يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقت لها، وإن لم يكن ذلك مستحسنا له، واختلفوا فيمن أخر رميها حتى غربت الشمس من يوم النحر، فذكر ابن القاسم أن مالكا كان مرة يقول: عليه دم، ومرة لا يرى عليه شيئا، وقال الثوري: من أخرها عامدا إلى الليل فعليه دم. وقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي: يرميها من الغد ولا شيء عليه، وقد أساء، سواء تركها عامدا أو ناسيا لا شيء عليه. وقال ابن قدامة: إن أخر جمرة العقبة إلى الليل لا يرميها حتى تزول الشمس من الغد، وبه قال أبو حنيفة وإسحاق. وقال الشافعي ومحمد وابن المنذر ويعقوب: يرمي ليلا، لقوله: ولا حرج، ولأبي حنيفة: أن ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، قال: من فاته الرمي حتى تغيب الشمس فلا يرم حتى تزول الشمس من الغد، وإذا رمى جمرة العقبة قبل طلوع الفجر يوم النحر فأكثر العلماء على أنه لا يجزئ وعليه الإعادة، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ومالك وأبي ثور وأحمد بن حنبل وإسحاق. وقال عطاء بن أبي رباح وابن أبي مليكة وعكرمة بن خالد وجماعة المكيين: يجزيه ولا إعادة على من فعله وقال الشافعي وأصحابه: إذا كان الرمي بعد نصف الليل جاز، فإن رماها بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس فجائز عند الأكثرين، منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر. وقال مجاهد والثوري والنخعي: لا يرميها إلا بعد طلوع الشمس وأما الثاني: فإن من حلق قبل أن يذبح فجمهور العلماء على أنه لا شيء عليه. وكذلك قاله عطاء وطاووس وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد والحسن وقتادة، وهو قول مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وأبي ثور وأحمد وإسحاق وداود ومحمد بن جرير. وقال إبراهيم: من حلق قبل أن يذبح اهراق دما. وقال أبو الشعثاء: عليه الفدية. وقال أبو حنيفة: عليه دم وإن كان قارنا فدمان. وقال زفر: على القارن إذا حلق قبل الذبح ثلاثة دماء: دم للقران ودمان للحلق. قبل النحر. واختلفوا فيمن حلق قبل أن يرمي، فإن مالكا وأصحابه اختلفوا في إيجاب الفدية، وروي عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، أنه: من قدم شيئا أو أخره فعليه دم، ولا يصح ذاك عنه، وعن إبراهيم وجابر بن زيد مثل قول مالك في إيجاب الفدية على من حلق قبل أن يرمي، وهو قول الكوفيين، وقال الشافعي، وأبو ثور وأحمد وإسحاق وداود والطبري: لا شيء على من حلق قبل أن يرمي، ولا على من قدم شيئا أو أخره ساهيا مما يفعل يوم النحر. وعن الحسن وطاووس: لا شيء على من حلق قبل أن يرمي، مثل قول الشافعي ومن تابعه، وعن عطاء بن أبي رباح: من قدم نسكا قبل نسك فلا حرج، وروي ذلك عن سعيد بن جبير وطاووس ومجاهد وعكرمة وقتادة، وذكر ابن المنذر عن الشافعي: من حلق قبل أن يرمي أن عليه دما، وزعم أن ذلك حفظه عن الشافعي وهو خطأ عن الشافعي، والمشهور من مذهبه أنه: لا شيء على من قدم أو أخر شيئا من أعمال الحج كلها إذا كان ساهيا.
4371 حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا وهيب قال حدثنا ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له في الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير فقال لا حرج.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنها في التقديم والتأخير، والحديث كذلك فيهما. فإن قلت: قيد في الترجمة كونه ناسيا أو جاهلا، وليس في الحديث ذلك؟ قلت: جاء في حديث عبد الله بن عمرو ذلك، وهو الذي ذكره في الباب الذي يليه بقوله: (فقال رجل: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح، قال: إذبح، ولا حرج، فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي. قال: إرم ولا حرج...) الحديث، فإن قوله: لم أشعر، يقتضي عدم الشعور، وهو أعم من أن يكون بجهل أو بنسيان، فكأنه أشار إلى ذلك لأن أصل الحديث واحد. وإن كان المخرج متعددا.
ورجال الحديث المذكور قد ذكروا غير مرة، ووهيب بالتصغير هو ابن خالد البصري، وابن طاووس هو عبد الله بن طاووس.
وأخرجه مسلم في الحج أيضا عن محمد بن حاتم عن بهز ابن أسد. وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن منصور عن المعلى بن أسد كلاهما عن وهيب به. قوله: (والتقديم) أي: تقديم بعض هذه الأشياء الثلاثة على بعض وتأخيرها عنه. قوله: (فقال) أي: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (لا حرج) أي: لا إثم
(٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 ... » »»