عمدة القاري - العيني - ج ١٠ - الصفحة ٦٨
حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن أبي الزبير عن ابن عباس وعائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر طواف الزيارة إلى الليل، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه أبو داود أيضا عن محمد بن بشار. وأخرجه النسائي عن محمد بن المثنى عن ابن مهدي. وأخرجه ابن ماجة عن بكر بن خلف، وقال البيهقي في سننه: وأبو الزبير سمع من ابن عباس، وفي سماعه عن عائشة رضي الله تعالى عنها نظر، قاله البخاري فإن قلت: هذا يعارض ما رواه ابن عمر وجابر وعائشة رضي الله تعالى عنهم، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه طاف يوم النحر نهارا؟ والحديثان عن ابن عمر وجابر عند مسلم. أما حديث ابن عمر فإنه أخرجه من طريق عبد الرزاق عن عبيد الله ابن عمر عن نافع عن ابن عمر، رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى، ورواه أبو داود والنسائي أيضا. وأما حديث جابر فإنه أخرجه من رواية جعفر بن محمد عن جابر في الحديث الطويل وفيه: (ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر...) الحديث. وأما حديث عائشة فأخرجه أبو داود من طريق ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه (عن عائشة قالت: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي التشريق).
فهذه الأحاديث تدل على أنه طاف طواف الزيارة يوم النحر، وحديث الباب يدل على أنه أخره إلى الليل. قلت: أجيب عن هذا بوجوه. الأول: إن الأحاديث الثلاثة يحمل على اليوم الأول، وحديث الباب يحمل على بقية الأيام. الوجه الثاني: أن حديث الباب يحمل على أنه أخر ذلك إلى ما بعد الزوال، فكان معناه: أخر طواف الزيارة إلى العشي، وأما الحمل على ما بعد الغروب فبعيد جدا لما ثبت في الأحاديث الصحيحة المشهورة من أنه صلى الله عليه وسلم طاف يوم النحر نهارا وشرب من سقاية زمزم. الوجه الثالث: ما ذكره ابن حبان من أنه صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة ونحر ثم تطيب للزيارة ثم أفاض فطاف بالبيت طواف الزيارة، ثم رجع إلى منى فصلى الظهر بها والعصر والمغرب والعشاء، ورقد رقدة بها، ثم ركب إلى البيت ثانيا وطاف به طوافا آخر بالليل. فإن قلت: روى أحمد في (مسنده): عن عائشة وابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار ليلا؟ قلت: الظاهر أن المراد منه طواف الوداع أو طواف زيارة محضة، وقد ورد حديث رواه البيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت كل ليلة من ليالي منى فإن قلت: ما تقول في الحديث الذي أخرجه البيهقي عن عائشة: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أذن لأصحابه فزاروا البيت يوم النحر ظهره، وزار رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نسائه ليلا؟ قلت: هذا حديث غريب جدا، فلا يعارض الأحاديث المذكورة المشهورة.
ويذكر عن أبي حسان عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت أيام منى أبو حسان: اسمه مسلم بن عبد الله العدوي البصري المشهور بالأجرد، ويقال له: الأعرج أيضا، وهذا التعليق وصله البيهقي عن أبي الحسن بن عبدان: أنبأنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا المعمري حدثنا ابن عرعرة قال: دفع إلينا معاذ بن هشام كتابا قال: سمعته من أبي ولم يقرأه، قال: فكان فيه: عن قتادة عن أبي حسان عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت كل ليلة ما دام بمنى، قال: وما رأيت أحدا واطأه عليه، ورواه الطبراني أيضا من طريق قتادة عنه، وقال ابن المديني في (العلل): روى قتادة حديثا غريبا لا نحفظه عن أحد من أصحاب قتادة إلا من حديث هشام، فنسخته من كتاب ابنه معاذ بن هشام، ولم أسمعه منه عن أبيه عن قتادة: حدثني أبو حسان عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت كل ليلة ما أقام بمنى، وقال الأثرم: قلت لأحمد: تحفظ عن قتادة؟ فذكر هذا الحديث، فقال: كتبوه من كتاب معاذ، قلت: فإن هنا إنسانا يزعم أنه سمعه من معاذ، فأنكر ذلك وأشار الأثرم بذلك إلى إبراهيم بن محمد بن عرعرة، فإن من طريقه أخرجه الطبراني بهذا الإسناد. قلت: ولرواية أبي حسان هذه شاهد مرسل أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن أبي عيينة: حدثنا ابن طاووس عن أبيه أن النبي، صلى الله عليه وسلم كان يفيض كل ليلة، يعني: ليالي منى.
2371 وقال لنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه
(٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»