أي: وطافوا بين الصفا والمروة، وأراد به السعي بينهما. قوله: (طوافا واحدا) في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني والجرجاني: (طوافا آخر). وقال عياض هو الصواب.
ذكر ما يستفاد منه فيه: الحجة لمن يقول بأفضلية القرآن لقوله: فمن كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة، وهذا هو القرآن، لأن فيه الجمع بين النسكين في سفرة واحدة. وقال القرطبي: ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالقرآن. وقوله: (ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا) هذا هو حكم القرآن بلا نزاع، وممن ذهب إلى تفضيل القرآن به وبالأحاديث التي ذكرناها الدالة على أفضلية القرآن، وعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا في حجة الوداع: شقيق بن سلمة والثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وإسحاق والمزني من أصحاب الشافعي، وأبو إسحاق المروزي وابن المنذر، وهو قول علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، وفي (المجرد). وإما حج النبي صلى الله عليه وسلم فاختلف فيه بحسب المذاهب، والأظهر قول أحمد: لا أشك أنه كان قارنا، والمتعة أحب إلي. فإن قلت: قد روي: أنه صلى الله عليه وسلم أفرد الحج، وروي: أنه تمتع، وروي: أنه قرن، فما التوفيق فيها؟ قلت: قال الطحاوي: طريق التوفيق فيها أنه صلى الله عليه وسلم أحرم بعمرة في بدء أمره فمضى فيها متمتعا، ثم أحرم بحجة قبل طوافه وإفرادها بالإحرام، فصار بها قارنا. فإن قلت: فيه إدخال الحج على العمرة فما حكمه؟ قلت: قال القاضي عياض: اتفق العلماء على جواز إدخال الحج على العمرة، وشذ بعض الناس فمنعه، وقال: لا يدخل بإحرام على إحرام، كما في الصلاة. واختلفوا في عكسه، وهو إدخال العمرة على الحج، فجوزه أبو حنيفة والشافعي في القديم، ومنعه آخرون، وقالوا: هذا كان خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم، قلنا: دعوى الخصوصية تحتاج إلى دليل.
وفيه: أن المتمتع إذا فرغ من أعمال العمرة لم يحل حتى يحرم بالحج إذا كان معه هدي، وهو مذهب أصحابنا عملا بقوله، صلى الله عليه وسلم، لها بنقض رأسها ثم بالامتشاط، فقال الشافعي: تأويله أنه أمر لها أن تدع العمرة وتدخل عليها الحج فتصير قارنة. وقال ابن حزم: والصحيح أنها كانت قارنة. وقال الخطابي: الحديث مشكل جدا إلا أن يؤول على الترخص لها أن تدع العمرة وتدخل على الحج، فتكون قارنة. لا أن تدع العمرة نفسها. فإن قلت: يوهن هذا التأويل لفظ: (انقضي رأسك وامتشطي). قلت: لا، لأن نقض الرأس والامتشاط جائزان في الإحرام بحيث لا تنتف شعرا، وقد يتأول بأنها كانت معذورة بأن كان برأسها أذى، فأباح لها كما أباح لكعب بن عجرة للأذى. وقيل: المراد بالامتشاط تسريح الشعر بالأصابع لغسل الإحرام بالحج، ويلزمه منه نقضه.
وفيه: في قولها: (فقدمت مكة وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة) قال ابن الجوزي: فيه دلالة على أن طواف المحدث لا يجوز، ولو كان ذلك لأجل المسجد لقال: لا يدخل المسجد، وقد اختلفوا فيه، فعن أحمد: طواف المحدث والجنب لا يصح، وعنه: يصح. وقال أصحابنا: الطهارة ليست بشرط فلو طاف وعليه نجاسة أو طاف محدثا أو جنبا صح طوافه، لقوله تعالى: * (وليطوفوا بالبيت العتيق) * (الحج: 92). أمر بالطواف مطلقا، وتقييده بالطهارة بخبر الواحد زيادة على النص فلا يجوز، ولكن إن طاف محدثا فعليه شاة، وإن طاف جنبا فعليه بدنة، ويعيده ما دام في مكة، وعن داود: الطهارة له واجبة. فإن طاف محدثا أجزأه إلا الحائض. وعند الشافعي: الطهارة شرط فلا يصح بدونها، ومذهب الجمهور: أن السعي يصح من المحدث والجنب والحائض. وعن الحسن: أنه إن كان قبل التحلل أعاد السعي، وإن كان بعده فلا شيء عليه.
وفيه: حجة لمن قال: الطواف الواحد والسعي الواحد يكفيان للقارن، وهو مذهب عطاء والحسن وطاووس، وبه قال مالك وأحمد والشافعي وإسحاق وأبو ثور وداود، وقال مجاهد وجابر بن زيد وشريح القاضي والشعبي ومحمد بن علي بن حسين والنخعي والأوزاعي والثوري والأسود بن يزيد والحسن بن حي وحماد بن سلمة وحماد ابن سليمان والحكم بن عيينة وزياد بن مالك وابن شبرمة وابن أبي ليلى وأبو حنيفة وأصحابه: لا بد للقارن من طوافين وسعيين، وحكي ذلك عن عمر وعلي وإبنيه: الحسن والحسين، وابن مسعود، رضي الله تعالى عنهم، هو رواية عن أحمد. وروى مجاهد عن ابن عمر أنه جمع بين الحج والعمرة، وقال: سبيلهما واحد، وطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين، وقال: هكذا رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يصنع كما صنعت، وعن علي: أنه جمع بينهما، وفعل ذلك ثم قال: هكذا رأيت رسول الله