32 ((باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر)) أي: هذا باب في بيان ما يلبس ولما بين ما لا يلبس، شرع في بيان ما يلبس، وكلمة: ما، يجوز أن تكون موصولة أي: باب في بيان الشيء الذي يلبس المحرم، ويجوز أن تكون مصدرية أي: في بيان لبس المحرم، وكلمة: من، في: من الثياب، بيانية وهو جمع ثوب، والأردية جمع رداء، والأزر بضم الهمزة والزاي جمع إزار، ويجوز تسكين الزاي وضمها اتباعا للهمزة، والرداء للنصف الأعلى، والإزار للنصف الأسفل، وعطف الأربعة على الثياب من باب عطف الخاص على العام.
ولبست عائشة رضي الله تعالى عنها الثياب المعصفرة وهي محرمة وقالت لا تلثم ولا تتبرقع ولا تلبس ثوبا بورس ولا زعفران مطابقته للترجمة في صدر هذا التعليق أعني قوله: (ولبست عائشة الثياب المعصفرة) أي: المعصفرة أي: المصبوغة بالعصفر. قوله: (وهي محرمة) جملة اسمية وقعت حالا، ووصل هذا التعليق سعيد بن المنصور من طريق القاسم بن محمد، قال: (كانت عائشة تلبس المعصفرة). وأخرج البيهقي من طريق ابن أبي مليكة: (أن عائشة كانت تلبس الثياب المورد بالعصفر الخفيف وهي محرمة) وقيل: الثوب المورد: المصبوغ بالورد. قوله: (وقالت) أي: عائشة: لا تلثم، بتاء مثناة واحدة وفتح اللام وتشديد الثاء المثلثة، وأصله: تتلثم، فحذفت إحدى التاءين كما في: تلظى، وفي رواية أبي ذر: لا تلتثم، بفتح التاء المثناة من فوق وسكون اللام وفتح التاء المثناة من فوق وكسر الثاء المثلثة: من الالتثام، من باب الافتعال، والأول من باب التفعل، وسقط هذا من الأصل في رواية الحموي، وكلاهما من اللثام، وهو ما يغطي الشفة. والمعنى ههنا: لا تغطي المرأة شفتها بثوب. قوله: (ولا تتبرقع) أي: ولا تلبس البرقع، بضم الباء وسكون الراء وضم القاف وفتحها، وهو ما يغطي الوجه. وعن الحسن وعطاء مثل ما روي عن عائشة، ورواه ابن أبي شيبة في (مصنفة) عن عبد الأعلى عن هشام عن الحسن وعطاء، قالا: لا تلبس المحرمة القفازين والسراويل ولا تبرقع ولا تلثم وتلبس ما شاءت من الثياب إلا ثوبا ينفض عليها ورسا أو زعفرانا. قوله: (ولا تلبس ثوبا بورس وزعفران) أي: مصبوغا بورس وزعفران، وقد روى أبو داود من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب، وما مسه الورس والزعفران من الثياب، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب من معصفر أو خز أو حلي أو قميص أو سراويل.
وقال جابر: لا أرى المعصف طيبا أي: قال جابر بن عبد الله الصحابي: أي: لا أراه مطيبا لأنه لا يصح أن يكون المفعول الثاني معنى، والأول عينا، ووصل هذا التعليق الشافعي، ومسدد بلفظ: (لا تلبس المرأة ثياب الطيب، ولا أرى المعصفر طيبا).
ولم تر عائشة بأسا بالحلي والثوب الأسود والمودد والخف للمرأة الحلي، بضم الحاء وكسر اللام، جمع الحلى. والثوب المورد المصبوغ بالورد، يعني: على لون الورد، وروى البيهقي من طريق ابن باباه المكي أن امرأة سألت عائشة: ما تلبس المرأة في إحرامها؟ قالت عائشة: تلبس من خزها وبزها وأصباغها وحليها. وقال ابن المنذر: أجمعوا على أن المرأة تلبس المخيط كله والخفاف وإن لها أن تغطي رأسها وتستر شعرها إلا وجهها تسدل عليه الثوب سدلاف خفيفا تستتر به عن نظر الرجال، ولا تخمره إلا ما روي عن فاطمة بنت المنذر، قالت: كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر، رضي الله تعالى عنهما. تعني: جدتها. قال: ويحتمل أن يكون ذلك التخمير سدلا كما جاء عن عائشة، قالت: كنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذا مر بنا ركب سدلنا الثوب على وجوهنا ونحن محرمات، فإذا جاوز رفعنا. قلت: فيما أخرجه الجماعة: ولا تنتقب المرأة المحرمة فيه دليل على أنه يحرم على المرأة ستر وجهها في الإحرام. وقال المحب الطبري: مفهومه يدل على إباحة تغطية الوجه للرجل وإلا لما كان في التقييد بالمرأة فائدة. قلت: قد ذهب إلى جواز تغطية الرجل المحرم وجهه عثمان بن عفان وزيد بن ثابت ومروان بن