عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ١٦٧
الحكم ومجاهد وطاووس، وإليه ذهب الشافعي وجمهور أهل العلم، وذهب أبو حنيفة ومالك إلى المنع من ذلك، واحتجا بحديث ابن عباس في المحرم الذي وقصته ناقته، فقال صلى الله عليه وسلم لا تخمروا وجهه ولا رأسه، رواه مسلم، ورواه النسائي بلفظ: وكفنوه في ثوبين خارجا وجهه ورأسه. وقال ابن العربي: وهذا أمر فيه خفاء على الخلق وليسوا على الحق. قال: ولقد رأيت بعض أصحابنا من أهل العلم ممن يتعاطى الفقه والحديث يبني المسألة على أن الوجه من الرأس أم لا؟ فعجبت لضلالته عن دلالته ونسيانه لصنعته، وقال شيخنا زين الدين: لا أدري ما وجه إنكاره على من بنى المسألة على ذلك، وما قاله واضح في قول ابن عمر الذي رواه مالك، وقد جاء عن عطاء بن أبي رباح التفرقة بين أعلى الوجه وأسفله، فروى سعيد بن منصور في (سننه) بإسناده إليه قال: يغطي المحرم وجهه ما دون الحاجبين، وفي رواية له: ما دون عينيه، ويحتمل أن يريد بذلك الاحتياط لكشف الرأس، ولكن هذا أمر زائد على الاحتياط لذلك، والاحتياط يحصل بدون ذلك.
وقال إبراهيم لا بأس أن يبدل ثيابه أي: إبراهيم النخعي، ووصله أبو بكر، قال: حدثنا جرير عن مغيرة بن شعبة عن إبراهيم قال: يغير المحرم ثيابه ما شاء بعد أن يلبس ثياب المحرم، قال: وحدثنا إسماعيل بن عياش عن سعيد بن يوسف عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال: غير النبي، صلى الله عليه وسلم، ثوبيه بالتنعيم. وحدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم ويونس عن الحسن وحجاج عن عبد الملك وعطاء أنهم لم يروا بأسا أن يبدل المحرم ثيابه، وكذا قاله طاووس وسعيد بن جبير، سئل: أيبيع المحرم ثيابه؟ قال: نعم. وقال ابن التين: مذهب مالك وأصحابه أنه يجوز له الترك للباس الثوب، ويجوز له بيعه. وقال سحنون: لا يجوز له ذلك لأنه يعرض القمل للقتل بالبيع.
5451 حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي قال حدثنا فضيل بن سليمان قال حدثني موسى بن عقبة قال أخبرني كريب عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما. قال انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعدما ترجل وادهن ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه فلم ينه عن شيء من الأردية والأزر تلبس إلا المزعفرة التي تردع على الجلد فأصبح بذي الحليفة ركب راحلته حتى استوى على البيداء أهل هو وأصحابه وقلد بدنته وذالك لخمس بقين من ذي القعدة فقدم مكة لأربع ليال خلون من ذي الحجة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ولم يحل من أجل بدنه لأنه قلدها ثم نزل بأعلى مكة عند الحجون وهو مهل بالحج ولم يقرب الكعبة بعد طوافه بها حتى رجع من عرفة وأمر أصحابه أن يطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة ثم يقصروا من رؤوسهم ثم يحلوا وذالك لمن لم يكن معه بدنة قلدها ومن كانت معه امرأته فهي له حلال والطيب والثياب.
مطابقته للترجمة قوله: (فلم ينه عن شيء من الأردية والأزر تلبس).
ورجاله قد ذكروا، والمقدمي، بتشديد الدال المفتوحة، وفضيل مصغر فضل، وهذا الحديث من أفراد البخاري، ورواه مختصرا أيضا.
ذكر معناه: قوله: (ترجل) أي: سرح شعره. قوله: (وادهن) أي: استعمل الدهن، وأصله: ادتهن، لأنه من باب الافتعال، فأبدلت الدال من التاء وأدغمت الدال في الدال. قوله: (هو)، ضمير فصل. قوله: (تردع)، بالراء والدال المهملتين أي: تلطخ الجلد، يقال: تردع إذا التطخ، والردع أثر الطيب، وردع به الطيب إذا لزق بجلده، وقال ابن بطال: وقد روي: ترذع، بالذال المعجمة، من قولهم: أرذعت الأرض أي: كثرت منافع المياه فيها، والرذع بالمعجمة الطين. قوله: (التي تردع على الجلد)، هكذا وقع في الأصل. وقال
(١٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 ... » »»