عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ١٩٨
عن مروان بن الحكم قال شهدت عثمان وعليا رضي الله تعالى عنهما وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما فلما رأى علي أهل بهما لبيك بعمرة وحجة قال ما كنت لأدع سنة النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد.
(الحديث 3651 طرفه في: 9651).
مطابقته للترجمة في قوله: (أهل بهما)، أي: بالعمرة والحج، وهذا هو القران، وغندر هو محمد بن جعفر، والحكم بفتحتين هو ابن عتيبة، بضم العين المهملة وفتح الثاء المثناة من فوق وفتح الباء الموحدة: الفقيه الكوفي، وعلي بن الحسين هو زين العابدين. وهذا الحديث من أفراده.
ذكر معناه: قوله: (شهدت عثمان وعليا) كان شهوده إياهما بعسفان على ما يأتي. قوله: (وعثمان) الواو فيه للحال. قوله: (عن المتعة) اختلفوا في المتعة التي نهى عنها. فقيل: هي فسخ الحج إلى العمرة لأنه كان مخصوصا بتلك السنة التي حج فيها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكان تحقيقا ما عليه الجاهلية من منع العمرة في أشهر الحج، وقيل: هو التمتع المشهور، والنهي للتنزيه ترغيبا للإفراد. قوله: (وأن يجمع بينهما) أي: بين العمرة والحج، قال الكرماني: أي القران، ثم قال: ما المراد منه؟ ثم أجاب: بأنه قال ابن عبد البر: القران أيضا نوع من التمتع لأنه تمتع بسقوط سفره للنسك الآخر من بلده، وقال بعضهم: يحتمل أن تكون الواو في قوله: (وأن يجمع بينهما)، عاطفة فيكون النهي عن التمتع والقران معا، ويحتمل إن تكون تفسيرية، وذلك لأن السلف كانوا يطلقون على القران تمتعا. انتهى. قلت: الواو هنا عاطفة قطعا، ولا إجمال في المعطوف عليه حتى يقال: إنها تفسيرية، وهو قد رد على نفسه كلامه بقوله: إن السلف كانوا يطلقون على القران تمتعا، فإذا كان كذلك يكون عطف التمتع على المتعة، وهو غير جائز. قوله: (فلما رأى علي) مفعوله محذوف تقديره: فلما رأى علي النهي (أهل بهما) أي: بالعمرة والحج. وقوله: (أهل) جواب لما، وفي رواية سعيد بن المسيب: (فقال علي، رضي الله تعالى عنه، ما تريد إلى أن تنهي عن أمر فعله، صلى الله عليه وسلم). وفي رواية الكشميهني: (إلا أن تنهى)، بحرف الاستثناء، وفي رواية مسلم من هذا الوجه زيادة، وهي: (فقال عثمان: إني لا أستطيع أن أدعك). قوله: (لبيك بعمرة وحجة) مقول لمقدر، والتقدير: أهل بهما حال كونه قائلا: لبيك. قوله: (قال: ما كنت) أي: قال علي، وهو استئناف كأن قائلا يقول: لم خالفه، فقال: ما كنت... إلى آخره، وحاصله أنه مجتهد لا يجوز عليه أن يقلد مجتهدا آخر، لا سيما مع وجود السنة، وفي رواية النسائي والإسماعيلي: (فقال عثمان: تر أني أنهى الناس وأنت تفعله؟ فقال: ما كنت لأدع)، أي: لأترك، اللام فيه للتأكيد.
ذكر ما يستفاد منه فيه: إشاعة العالم ما عنده من العلم وإظهاره ومناظرته ولاة الأمور وغيرهم في تحقيقه لمن قوي على ذلك لقصد منا صحة المسلمين. وفيه: البيان بالفعل مع القول، لأن عليا، رضي الله تعالى عنه أمر وفعل ما نهاه عنه عثمان: وفيه: ما كان عليه عثمان من الحلم أنه لا يلوم مخالفه. وفيه: أن القوم لم يكونوا يسكتون عن قول يرون أن غيره أمثل منه إلا بينوه. وفيه: أن طاعة الإمام إنما تجب في المعروف، وفيه: أن معظم القصد الذي بوب عليه هو مشروعية المتعة لجميع الناس. فإن قلت: روي عن أبي ذر أنه قال: كانت متعة الحج لأصحاب محمد، صلى الله عليه وسلم، خاصة في (صحيح مسلم)؟ قلت: قالوا: هذا قول صحابي يخالف الكتاب والسنة والإجماع، وقول من هو خير منه. أما الكتاب فقوله تعالى: * (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) * (البقرة: 691). وهذا عام، وأجمع المسلمون على إباحة التمتع في جميع الأعصار، وإنما اختلفوا في فضله. وأما السنة، فحديث سراقة: (المتعة لنا خاصة أو هي للأبد؟ قال: بل هي للأبد). وحديث جابر المذكور في (صحيح مسلم) في صفة الحج نحو هذا، ومعناه: أهل الجاهلية كانوا لا يجيزون التمتع، ولا يرون العمرة في أشهر الحج، فجوزا، فبين النبي، صلى الله عليه وسلم، أن الله قد شرع العمرة في أشهر الحج، وجوز المتعة إلى يوم القيامة، رواه سعيد بن منصور من قول طاووس، وزاد فيه: (فلما كان الإسلام أمر الناس أن يعتمروا في أشهر الحج، فدخلت العمرة في أشهر الحج إلى يوم القيامة)، وقد خالف أبا ذر علي وسعد وابن عباس وابن عمر وعمران بن حصين وسائر الصحابة وسائر المسلمين، قال عمران: تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فيه القرآن ولم ينهنا عنه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولم ينسخها شيء، فقال فيها رجل برأيه ما شاء، متفق عليه.
(١٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 ... » »»