عمدة القاري - العيني - ج ٧ - الصفحة ٥٧
قوله تعالى: * (فلما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه) * (هود: 85). وكانت الريح تقلع الشجر وتهدم البيوت، ومن لم يكن في بيته منهم أهلكته في البراري والجبال، وكانت ترفع الظعينة بين السماء والأرض حتى ترى كأنها جرادة، وترميهم بالحجارة فتدق أعناقهم. وقال ابن عباس: دخلوا البيوت وأغلقوا أبوابها فجاءت الريح ففتحت الأبواب وسفت عليهم الرمل فبقوا تحته سبع ليال وثمانية أيام، وكان يسمع أنينهم تحت الرمل، وماتوا. وقال ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه: لم تجر الرياح قط بمكيال إلا في قصة عاد، فإنها عصت عل الخزان فغلبتهم فلم يعلموا مقدار مكيالها، فذلك قوله تعالى: * (فأهلكوا بريح صرصر عاتية) * (الحاقة: 6). والصرصر ذات الصوت الشديد * (كأنهم أعجاز نخل خاوية) * (الحاقة: 7). منقعرا من أصله.
وقال ابن بطال: في هذا الحديث تفضيل المخلوقات بعضها على بعض. وفيه: إخبار المرء عن نفسه بما فضله الله به على جهة التحديث بنعمة الله والشكر له لا على الفخر. وفيه: الإخبار عن الأمم الماضية وإهلاكها.
72 ((باب ما قيل في الزلازل والآيات)) أي: هذا باب في بيان ما قيل في الزلازل، وهو جمع الزلزلة، والآيات جمع آية، وهي العلامة وأراد بها: علامات القيامة أو علامات قدرة الله تعالى، وإنما ذكر هذا الباب في أبواب الاستسقاء، لأن وجود الزلزلة ونحوها يقع غالبا مع نزول المطر.
6301 حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب قال أخبرنا أبو الزناد عن عبد الرحمان الأعرج عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل القتل حتى يكثر فيكم المال فيفيض.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ورجاله قد تكرر ذكرهم، وأبو اليمان الحكم بن نافع، وشعيب ابن أبي حمزة أبو الزناد، بالزاي والنون: عبد الله بن ذكوان، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وقد ذكر هذا الحديث مطولا في كتاب الفتن، وذكر منه قطعا هنا وفي الزكاة وفي الرقاق.
قوله: (لا تقوم الساعة) أراد بها يوم القيامة. قوله: (حتى يقبض العلم)، وذلك بموت العلماء وكثرة الجهلاء، وقال السفاقسي: يعني أكثرهم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله). قوله: (وتكثر الزلازل)، قال المهلب: ظهور الزلازل والآيات وعيد من الله تعالى لأهل الأرض، قال الله تعالى: * (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) * (الإسراء: 95). والتخويف والوعيد بهذه الآيات إنما يكون عند المجاهرة والإعلان بالمعاصي، ألا ترى أن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، حين زلزلت المدينة في أيامه، قال: يا أهل المدينة ما أسرع ما أحدثتم، والله لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم، فخشي أن تصيبه العقوبة معهم، كما قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث، ويبعث الله الصالحين على نياتهم). قوله: (ويتقارب الزمان). قال ابن الجوزي: فيه أربعة أقوال: أحدها: أنه قرب القيامة، ثم المعنى: إذا قربت القيامة كان من شرطها الشح والهرج. والثاني: أنه قصر مدة الأزمنة عما جرت به العادة، كما جاء: حتى تكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم. قيل: واليوم كالساعة، والساعة كالضرمة بالنار. والثالث: أنه قصر الأعمار بقلة البركة فيها. والرابع: تقارب أحوال الناس في غلبة الفساد عليهم، ويكون المعنى: ويتقارب أهل الزمان، أي تتقارب صفاتهم في القبائح، ولهذا ذكر على أثره الهرج والشح. وقال ابن التين: معنى ذلك قرب الآيات بعضها من بعض، وفي (حواشي المنذري) قيل: معناه تطيب تلك الأيام حتى لا تكاد تستطال، بل تقصر، قال: وقيل: على ظاهره من قصر مددها. وقيل: تقارب أحوال أهله في قلة الدين حتى لا يكون فيهم من يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر لغلبة الفسق وظهور أهله. قال الطحاوي: وقد يكون معناه في ترك طلب العلم خاصة. وقيل: يتقارب الليل والنهار في عدم ازدياد الساعات وانتقاصها بأن يتساويا طولا وقصرا. قال أهل الهيئة: تنطبق دائرة منطقة البروج على دائرة معدل النهار، فحينئذ يلزم تساويهما ضرورة، وقال النووي: حتى يقرب الزمان من القيامة. وقال الكرماني: حاصل تفسيره أنه لا تكون القيامة حتى تقرب، وهذا كلام مهمل لا طائل تحته. قلت: هذه جرأة من غير طريقة، وليس هذا الذي ذكره حاصل تفسيره، بل معنى كلامه:
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»