والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب وقد تقدم هذا في باب تحريض النبي على قيام الليل وما سبح رسول الله سبحة الضحى قط وإني لأسبحها وقد مر الكلام من أن السبحة بضم السين المهملة النافلة وأن فيه رواية مالك عن ابن هشام ' لأستحبها ' من الاستحباب والفرق بين الروايتين أن لفظ أسبحها يقتضي الفعل ولفظ أستحبها لا يقتضيه. واعلم أنه قد روي في ذلك أشياء مختلفة عن عائشة هذا يدل على نفي السبحة من رسول الله وجاء عنها ما رواه مسلم من رواية عبد الله بن شقيق قال قلت لعائشة رضي الله تعالى عنها هل كان النبي يصلي الضحى قالت لا إلا أن يجيء من مغيبه وجاء عنها أيضا ما رواه مسلم من رواية معاذة أنها سألت عائشة كم كان رسول الله يصلي صلاة الضحى قالت أربع ركعات ويزيد ما شاء. وهذا كما رأيت يدل الأول على النفي مطلقا. والثاني على النفي المقيد. والثلاث على الإثبات المطلق وتكلموا في التوفيق بينها فمال ابن عبد البر وآخرون إلى ترجيح ما اتفق الشيخان عليه دون ما انفرد به مسلم وقالوا إن عدم رؤيتها لذلك لا يستلزم عدم الوقوع فيقدم من روى عنه من الصحابة الأثبات وقيل عدم رؤيتها أنه ما كان يكون عند عائشة في وقت الضحى إلا في النادر لكونه أكثر النهار في المسجد أو في موضع آخر وإذا كان عند نسائه فإنها كان لها يوم من تسعة أيام أو ثمانية وقال البيهقي عندي أن المراد بقولها ما رأيته سبحها أي داوم عليها وقولها وإني لأسبحها أي لأداوم عليها وقيل جمع بين قولها ما كان يصلي إلا أن يجيء من مغيبه وقولها كان يصلي أربعا ويزيد ما شاء بأن الأول محمول على صلاته إياها في المسجد والثاني على البيت وقال عياض قوله ما صلاها معناه ما رأيته يصليها والجمع بينه وبين قولها كان يصليها أنها أخبرت في الإنكار عن مشاهدتها وفي الإثبات عن غيرها وقيل يحتمل أن تكون نفت صلاة الضحى المعهودة حينئذ من هيئة مخصوصة بعدد مخصوص في وقت مخصوص وأنه إنما كان يصليها إذا قدمن من سفره لا بعدد مخصوص ولا بغيره كما قالت يصلي أربعا ويزيد ما شاء الله تعالى وذهب قوم إلى ظاهر الحديث المذكور وأخذوا به ولم يروا صلاة الضحى حتى قال بعضهم إنها بدعة وقد ذكرنا أن ابن عمر قال ذلك أيضا وقال مرة ونعمت البدعة وقال مرة ما استبدع المسلمون بدعة أفضل مناه وروى الشعبي عن قيس بن عباد قال كنت أختلف إلى ابن مسعود السنة كلها فما رأيته مصليا الضحى وقال إبراهيم النخعي حدثني من رأى ابن مسعود صلى الفجر ثم لم يقم لصلاة حتى أذن لصلاة الظهر فقام فصلى أربعا وكان ابن عوف لا يصليها وقال أنس رضي الله تعالى عنه صلاة النبي يوم الفتح كانت سنة الفتح لا سنة الضحى ولما فتح خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه الحيرة صلى صلاة الفتح ثمان ركعات لم يسلم فيهن وقد ذكرنا الجواب عن ذلك فيما مضى والله تعالى أعلم * ((باب صلاة الضحى في الحضر)) أي هذا باب في بيان صلاة الضحى في الحضر (قاله عتبان بن مالك عن النبي ) وفي بعض النسخ قال عتبان عن النبي وقد ذكره البخاري في باب إذا زار الإمام قوما فأمهم حدثنا معاذ بن أسد قال أخبرنا عبد الله قال أخرنا معمر عن الزهري قال أخبرني محمود بن الربيع قال عتبان بن مالك الأنصاري قال استأذن على النبي فأذنت له فقال أين تحب أن أصلي في بيتك فأشرت له إلى المكان الذي أحب فقام وصففنا خلفه ثم سلم فسلمنا انتهى وليس فيه ذكر السبحة ورواه أحمد من طريق الزهري عن محمود بن الربيع عن ' عتبان بن مالك أن رسول الله صلى في بيته سبحة الضحى فقاموا وراءه فصلوا بصلاته ' وأخرجه مسلم من رواية ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أن محمود بن الربيع الأنصاري حدثه عتبان بن مالك وهو من أصحاب النبي ممن شهد بدرا من الأنصار ' أتى رسول الله فقال يا رسول الله إني قد أنكرت بصري ' الحديث بطوله وليس فيه ذكر السبحة وسيذكره البخاري أيضا بعد بابين في باب صلاة النوافل جماعة *
(٢٤١)