حمله أصحابنا على صلاة النفل حتى استدلوا به في جواز صلاة النفل قاعدا مع القدرة على القيام، وقال صاحب (الهداية): وتصلي النافلة قاعدا مع القدرة على القيام لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم)، وحكي عن الباجي من أئمة المالكية أنه حمله على المصلي فريضة لعذر أو نافلة لعذر أو لغير عذر، وقيل: في حديث عمران حجة على أبي حنيفة من أنه إذا عجز عن القعود سقطت الصلاة، حكاه الغزالي عن أبي حنيفة في (الوسيط) قلت: هذا لم يصح ولم ينقل هذا أحد من أصحابنا عن أبي حنيفة، ولهذا قال لرافعي: لكن هذا النقل لا يكاد يلفي في كتبهم ولا في كتب أصحابنا، وإنما الثابت عن أبي حنيفة إسقاط الصلاة إذا عجز عن الإيماء بالرأس، واستدل بحديث عمران من قال: لا ينتقل المريض بعد العجز عن الصلاة على الجنب والإيماء بالرأس إلى فرض آخر من الإيماء بالطرف، وحكي ذلك عن أبي حنيفة ومالك إلا أنهما اختلفا، فأبو حنيفة يقول: يقضي بعد البرء، ومالك يقول: لا قضاء عليه. وحكى صاحب (البيان) عن بعض الشافعية وجها مثل مذهب أبي حنيفة وقال جمهور الشافعية: إن عجز عن الإشارة بالرأس أومأ بطرفه، فإن لم يقدر على تحريك الأجفان أجرى أفعال الصلاة على لسانه، فإن اعتقل لسانه أجرى القرآن والأذكار على قلبه، وما دام عاقلا لا تسقط عنه الصلاة، وقال الترمذي: وقال سفيان الثوري في هذا الحديث: (من صلى جالسا فله نصف أجر القائم). قال: هذا للصحيح ولمن ليس له عذر، فأما من كان له عذر من مرض أو غيره فصلى جالسا فله مثل أجر القائم، وقال النووي: إذا صلى قاعدا صلاة النفل مع القدرة على القيام فهذا له نصف ثواب القائم، وأما إذا صلى النفل قاعدا لعجزه عن القيام فلا ينقص ثوابه، بل يكون ثوابه كثوابه قائما، وأما الفرض فإن صلاته قاعدا مع القدرة على القيام لا تصح، فضلا عن الثواب. وإن صلى قاعدا لعجزه عن القيام أو مضطجعا لعجزه عن القعود، فثوابه كثوابه قائما لا ينقص. وفي (شرح الترمذي) رحمه الله تعالى: إذا صلى الفرض قاعدا مع قدرته على القيام لا يصح، وقال أصحابنا وفيه: وإن استحله يكفر، وجرت عليه أحكام المرتدين، كما لو استحل الزنا أو الربا أو غيره من المحرمات الشائعة التحريم، والله المتعال وإليه المآل.
81 ((باب صلاة القاعد بالإيماء)) أي: هذا باب في بيان حكم صلاة القاعد بالإيماء.
6111 حدثنا أبو معمر قال حدثنا عبد الوارث قال حدثنا حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة أن عمران بن حصين وكان رجلا ميسورا. وقال أبو معمر مرة عن عمران.
قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل وهو قاعد فقال من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد.
(أنظر الحديث 5111 وطرفه).
مطابقته للترجمة من حيث إن النائم لا يقدر على الإتيان بالأفعال، فلا بد فيها من الإشارة إليها فالنوم بمعنى الاضطجاع كناية عنها. وقال الإسماعيلي: ترجم البخاري بصلاة القاعد بالإيماء ولم يقع في الحديث إلا ذكر النوم، فكأنه صحف نائما من النوم، فظنه بإيماء الذي هو مصدر أومأ، ورد عليه بأنه لم يصحف لأنه وقع في رواية كريمة وغيرها عقيب حديث الباب.
قال أبو عبد الله نائما عندي مضطجعا هاهنا قال أبو عبد الله يعني: البخاري نفسه. قوله: (نائما عندي) أي: (مضطجعا) وزعم ابن التين أن في رواية الأصيلي (ومن صلى بإيماء)، فلذلك بوب البخاري: باب صلاة القاعد بالإيماء. قلت: إن صحت هذه الرواية فالمطابقة بين الحديث والترجمة ظاهرة جدا فلا يحتاج إلى التكلف المذكور، والكلام فيه قد مر. قوله: (وهو قاعد)، جملة اسمية وقعت حالا، وقائما ونائما أحوال.