منه في هذه الصلوات، أو لأنه لما لم يهمل شيئا من هذه التي وقتها وقت الاستراحة، ففي غيرها بالطريق الأولى، قاله الكرماني، ولكن يقال مثله في الظهر لأنه وقت القائلة، والعصر لأنه وقت المعاش، والصبح لأنه وقت لذة النوم، والأقرب أن يقال: الوجه هو أن شكواهم كانت في صلاتي العشي، فلذلك خصصهما بالذكر. قوله: (فأركد)، بضم الكاف أي: أسكن وأمكث في الأوليين، أي: الركعتين الأوليين، يقال: ركد يركد ركودا، إذا ثبت ودام، ومنه الماء الراكد أي: الساكن الدائم، وركدت السفينة سكنت من الاضطراب، وركد الريح سكن، وفي رواية لمسلم: (وأمد في الأوليين) بدل: فأركد، وهو بمعناه أي: أطول وأمد، ثم الظاهر أن مده وتطويله كان بكثرة القراءة، ولا يقال: كان ذلك بما هو أعم من القراءة كالركوع والسجود، لأن القيام ليس محلا للدعاء ولا لمجرد السكوت، وإنما هو محل القراءة. قوله: (وأخف) بضم الهمزة وكسر الخاء المعجمة من باب الإفعال، يقال: أخف الرجل في أمره يخف فهو مخف، وفي الكشميهني: أحذف، بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وكسر الذال المعجمة: أي أحذف التطويل، وليس المراد حذف أصل القراءة، وفيه خلاف نذكره إن شاء الله تعالى. وكذا وقع في رواية الدارمي عن موسى بن إسماعيل شيخ البخاري بلفظ: أحذف، ووقع في رواية الإسماعيلي من رواية محمد بن كثير عن شعبة: احذم، بالميم موضع الفاء، من: حذم يحذم حذما إذا أسرع. وأصل الحذم الإسراع في كل شيء، ومنه حديث عمر، رضي الله تعالى عنه: (إذا أقمت فاحذم) أي: اسرع. قوله: (في الأخريين) أي الركعتين الأخريين. قوله: (ذاك الظن)، جملة اسمية من المبتدأ والخبر، ويروي: ذلك الظن، وقوله: (بك)، يتعلق بالظن، أي: هذا الذي تقوله يا أبا إسحاق هو الذي يظن بك، وفي رواية مسعر عن عبد الملك وأبي عون معا، فقال سعد: أتعلمني الأعراب الصلاة؟ أخرجه مسلم، وفيه دلالة على أن الذي شكوه كانوا جهالا، لأن الجهالة فيهم غالبة، والأعراب، بفتح الهمزة، ساكنو البادية من العرب الذين لا يقيمون في الأمصار ولا يدخلونها إلا لحاجة، والعرب اسم لهذا الجيل المعروف من الناس ولا واحد له من لفظه، وسواء أقام بالبادية أو المدن. قوله: (فأرسل معه رجلا) أي: أرسل عمر مع سعد رجلا، وقد ذكرنا من هو الرجل. قال الكرماني: إن كان سعد غائبا فكيف خاطبه بقوله: (ذاك الظن بك)؟ وإن كان حاضرا فكيف قال: فأرسل إليه؟ ثم أجاب بقوله: كان غائبا أو لا ثم حضر. انتهى. قلت: لفظ الحديث: (فأرسل معه)، كما ذكرناه، ولا يتأتى ما ذكره إلا إذا كان اللفظ: فأرسل إليه، وليس كذلك. قوله: (أو رجالا) كذا هو بالشك، وفي رواية ابن عيينة: فبعث عمر رجلين، وقد ذكرناه. قوله: (يسأل عنه أهل الكوفة)، أي: يسأل عن سعد أهل الكوفة كيف حاله بينهم؟ ويروى: (فسأل عنه)، ووجه ذلك أنه معطوف على مقدر تقديره: فأرسل رجلا إلى الكوفة فانتهى إليها فسأل عنه، ومثل هذه الفاء تسمى: فاء الفصيحة، وأما وجهه على قوله: يسأل عنه، بلفظ المضارع الغائب فهو من الأحوال المقدرة المنتظرة، قوله: (ولم يدع) أي: لم يترك الرجل المبعوث المرسل مسجدا من مساجد الكوفة إلا سأل عنه، أي: عن سعد. قوله: (ويثنون معروفا) أي: والحال أن أهل الكوفة يثنون عليه معروفا، وهو كل أمر خير، وفي رواية ابن عيينة: فكلهم يثني عليه خيرا. قوله: (لبني عبس)، بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة وفي آخره سين مهملة، وهو قبيلة كبيرة من قيس. قوله: (أما إذا نشدتنا) كلمة: أما، بالتشديد للتفصيل والتقسيم، والقسيم محذوف تقديره: أما غيري إذا أنشدتنا، أي: حين نشدتنا، فأثنوا عليه، وأما نحن إذا سألتنا فنقول كذا وكذا، ومعنى: نشدتنا أي: سألتنا بالله، يقال: نشدتك الله، سألتك بالله. قوله: (لا يسير بالسرية)، الباء فيه للمصاحبة، والسرية، بتخفيف الراء وتشديد الياء آخر الحروف، قطعة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو، وجمعها: السرايا، سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم، من الشيء السري أي: النفيس. وقيل: سموا ذلك لأنهم ينفذون سرا وخفية، وليس بالوجه، لأن: لام، السر: راء، وهذه: ياء، وقيل: يحتمل أن تكون صفة المحذوف، أي: لا يسير بالطريقة السرية أي: العادلة، والأولى أولى وأوجه لقوله بعد ذلك: لا يعدل، والأصل عدم التكرار، والتأسيس أولى من التأكيد، ويؤيده رواية جرير وسفيان بلفظ: (ولا ينفر في السرية). قوله: (في القضية)، أي: الحكومة والقضاء، وفي رواية جرير وسيف: في الرعية. قوله: (قال سعد)، وفي رواية جرير: (فغض سعد)، وحكى ابن التين أنه قال
(٧)