عمدة القاري - العيني - ج ٦ - الصفحة ٦
فلانا كيفة، أي: قطعة. يقال: كفت أكيف كيفا إذا قطعت، فالكوفة فعلة من هذا، والأصل فيها: كيفة، فلما سكنت الياء وانضم ما قبلها جعلت واوا. وقال قطرب: يقال: القوم في كوفان أي: محرقون في أمر يجمعهم. وقال أبو القاسم الزجاجي: سميت كوفة بموضعها من الأرض، وذلك أن كل رملة يخالطها حصباء تسمى كوفة. وقال آخرون: سميت كوفة لأن جبل سانيد يحيط بها كالكفاف عليها، وقال ابن حوقل: الكوفة على الفرات وبناؤها كبناء البصرة، مصرها سعد بن أبي وقاص، وهي خطط لقبائل العرب وهي خراج بخلاف البصرة، لأن ضياع الكوفة قديمة جاهلية وضياع البصرة إحياء موات في الإسلام، وفي (معجم ما استعجم): سميت الكوفة لأن سعدا لما افتتح القادسية نزل المسلمون الإكار، فإذا هم أليق، فخرج فارتاد لهم موضع الكوفة، وقال: تكوفوا في هذا الموضع أي: اجتمعوا. وقال محمد بن سهل: كانت الكوفة منازل نوح عليه الصلاة والسلام، وهو الذي بنى مسجدها. وقال اليعقوبي في كتابه: هي مدينة العراق الكبرى والمصر الأعظم وقبة الإسلام ودار هجرة المسلمين، وهي أول مدينة اختط المسلمون بالعراق في سنة أربع عشرة، وهي على معظم الفرات ومنه تشرب أهلها، ومن بغداد إليها ثلاثون فرسخا. وفي (تاريخ الطبري): لما احتوى المسلمون الأنبار كتب سعد إلى عمر، رضي الله تعالى عنه، يخبره بذلك، فكتب إليه: أنظر فلاة إلى جانب البحر فارتاد المسلمون بها منزلا، فبعث سعد رجلا من الأنصار يقال له: الحارث بن سلمة، ويقال: عثمان بن الحنيف، فارتاد لهم موضعا من الكوفة. وفي (الصحاح): الكوفة الرملة الحمراء، وبها سميت الكوفة. قوله: (عمارا) هو عمار بن ياسر، وقد ذكرناه. وقال خليفة: استعمل عمارا على الصلاة وابن مسعود على بيت المال وعثمان بن الحنيف على مساحة الأرض. قوله: (فشكوا) قال بعضهم: ليست هذه: الفاء، عاطفة على: فعزله، بل هي تفسيرية، إذ الشكوى كانت سابقة على العزل. قلت: الفاء، إذا كانت تفسيرية لا تخرج عن كونها عاطفة، وليست الفاء ههنا عطفا على: فعزله، وإنما هي عطف على قوله: (شكا أهل الكوفة)، عطف تفسير. وقوله: ((فعزله واستعمل عليهم عمارا) جملة معترضة. قوله: (حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي)، هذا يدل على أن شكواهم كانت متعددة، منها قصة الصلاة، وصرح في رواية: (فقال عمر: لقد شكوك في كل شيء حتى في الصلاة). ومنها: ما ذكره ابن سعد وسيف: أنهم زعموا أنه حابى في بيع خمس باعه، وأنه صنع على داره بابا مبوبا من خشب، وكان السوق مجاورا له، فكان يتأذى بأصواتهم، فزعموا أنه قال: لينقطع الصويت. ومنها: ما ذكره سيف: أنهم زعموا أنه كان يلهيه الصيد عن الخروج في السرايا. وقال الزبير بن بكار في كتاب (النسب): رفع أهل الكوفة عليه أشياء كشفها عمر فوجدها باطلة، ويشهد لذلك قول عمر في وصيته. فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة، وكان عمر، رضي الله تعالى عنه، أمر سعد بن أبي وقاص على قتال الفرس في سنة أربع عشرة، ففتح الله تعالى العراق على يديه ثم اختط الكوفة سنة سبع عشرة، واستمر عليها أميرا، إلى سنة إحدى وعشرين في قول خليفة بن خياط، وعند الطبري: سنة عشرين، فوقع له مع أهل الكوفة ما وقع. قوله: (فأرسل إليه فقال: يا أبا إسحاق)، فيه حذف تقديره: فوصل إليه، أي: الرسول، فجاء إلى عمر. وأبو إسحاق كنية سعد، كنى بذلك بأكبر أولاده، وهذا تعظيم من عمر له، وفيه دلالة على أنه لم تقدح فيه الشكوى عنده. قوله: (أما إنا والله) كلمة: اما، بالتشديد وهي للتقسيم، وفيه مقدر لأنه لا بد لها من قسيم تقديره: أما هم فقالوا ما قالوا، وأما أنا فأقول: إني كنت كذا.. ولفظة: والله لتأكيد الخبر في نفس السامع، وكان القياس أن يؤخر لفظة: والله، عن الفاء، ولكن يجوز تقديم بعض ما هو في حيزها عليها، والقسم ليس أجنبيا وجواب القسم محذوف، وقوله: (فإني كنت)، يدل عليه، ويروى: إني كنت، بدون الفاء. قوله: (صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالنصب أي: صلاة مثل صلاته صلى الله عليه وسلم. قوله: (ما أخرم)، بفتح الهمزة وكسر الراء، أي: لا أنقص وما أقطع، وحكى ابن التين عن بعض الرواة أنه بضم أوله. وقال بعضهم: جعله من الرباعي. قلت: ليس من الرباعي، بل هو من مزيد الثلاثي، لأن الاصطلاح هكذا عند أهل الصرف.
قوله: (صلاة العشاء)، كذا هو ههنا بالإفراد، وفي الباب الذي بعده: صلاتي العشاء، بالتثنية، والعشي، بكسر الشين وتشديد الياء، كذا هو في رواية الأكثرين في الموضعين، وفي رواية الكشميهني: (بعد صلاتي العشاء)، والمراد من صلاتي العشاء الظهر والعصر، ولا يبعد أن يقال: صلاتي العشاء بالمد، ويكون المراد: المغرب والعشاء، ورواه أبو داود الطيالسي في (مسنده) عن أبي عوانة بلفظ: (صلاتي العشاء)، ووجه تخصيص صلاة العشاء بالذكر من بين الصلوات لاحتمال كون شكواهم
(٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»