عمدة القاري - العيني - ج ٦ - الصفحة ١٤٨
بعضهم: والتأنيث أشهر، لكن الضمير في قوله: (فيه خضرات) يعود إلى الطعام الذي في القدر، فالتقدير: أتي بقدر من طعام فيه خضرات، ولهذا لما أعاد الضمير على القدر أعاده بالتأنيث حيث قال: (فأخبر بما فيها)، وحيث قال: (قربوها) انتهى. قلت: هذا تصرف فيه تعسف فلا يحتاج إلى تطويل الكلام، ولما جاز في القدر التذكير والتأنيث أعاد الضمير إليه تارة بالتذكير وتارة بالتأنيث نظرا إلى جواز الوجهين. قوله: (خضرات)، بضم الخاء وفتح الضاد المعجمتين: جمع خضرة، كذا هو في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره بفتح أوله وكسر ثانيه، وقال ابن التين: رويناه بفتح الخاء وكسر الضاد، وقال ابن قرقول: ضبطه الأصيلي بضم الخاء وفتح الضاد، والمعروف الأول. قوله: (من يقول) كلمة: من، فيه بيانية، ويجوز أن تكون للتبعيض. قوله: (فوجد) أي: النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (فذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: فأخبر) على صيغة المجهول أي: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما في القدر. قوله: (قربوها) الضمير فيه يجوز أن يرجع إلى الخضرات، ويجوز أن يرجع إلى القدر، ويجوز أن يرجع إلى البقول. قوله: (إلى بعض أصحابه). وقال الكرماني: هذا اللفظ نقل بالمعنى، إذ الرسول، صلى الله عليه وسلم، لم يقل بهذه العبارة، بل قال: قربوها إلى فلان، مثلا أو فيه محذوف، أي: قال قربوها مشيرا أو أشار إلى بعض أصحابه. انتهى. وقال بعضهم: والمراد بالبعض أبو أيوب الأنصاري ففي (صحيح مسلم) من حديث أبي أيوب في قصة نزول النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فكان يصنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما فإذا جيء به إليه..) أي بعد أن يأكل النبي صلى الله عليه وسلم منه، (سأل عن موضع أصابع النبي صلى الله عليه وسلم فصنع ذلك مرة، فقيل له: لم تأكل،، وكان الطعام فيه ثوم، فقال: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: لا ولكن أكرهه). قلت: ليس فيه دليل على أن المراد من البعض أبو أيوب، لم لا يجوز أن يكون غيره من أصحابه؟ بل الظاهر أنه غيره، لأن رد طعامه إليه فيه ما فيه. فإن قلت: قوله: (كل)، خطاب لأبي أيوب، فذا يدل على أن المراد من البعض أبو أيوب. قلت: لا نسلم ذلك، لأنه يجوز أن يأمر بالتقريب إلى غيره، ويأمر بالأكل معه. على أنه جاء في حديث أم أيوب، (قالت: نزل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فتكلفنا له طعاما فيه بعض البقول...) فذكر الحديث نحوه. وقال وفيه: (فكلوا فإني لست كأحد منكم، أخاف أن أوذي صاحبي)، فههنا أمر بالأكل للجماعة، وأبو أيوب منهم، وليس بمتعين. قوله: ((فإني أناجي من لا تناجي) أي: الملائكة، ويوضح ذلك ما رواه ابن خزيمة وابن حبان من وجه آخر: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليه بطعام من خضرات فيه بصل أو كراث، فلم ير فيه أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى أن يأكل فقال له: ما منعك؟ قال: لم أر أثر يدك. قال: أستحي من ملائكة الله وليس بمحرم).
ذكر ما يستفاد منه: من ذلك أن البعض استدل به على أن إقامة الفرض بالجماعة ليست بفرض، لأن أكل الثوم ونحوه جائز، ومن لوازمه الشرعية ترك الصلاة بالجماعة، وترك الجماعة في حق آكله جائز، ولازم الجائز جائز. وفيه: ما يدل على أن أكل الثوم ونحوه من الأعذار المرخصة في ترك حضور الجماعة. فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون النهي خرج مخرج الزجر عن أكل هذه الأشياء، فلا يقتضي ذلك أن يكون عذرا في ترك الجماعة إلا أن تدعو إلى أكلها ضرورة، وعن هذا قال الخطابي: توهم بعضهم أن أكل الثوم عذر في التخلف عن الجماعة، وإنما هو عقوبة لا يحكم على فاعله إذا حرم فضل الجماعة. قلت: قوله: صلى الله عليه وسلم (قربوها إلى بعض أصحابه) ينفي الزجر. فإن قلت: الزجر متأخر عن الأمر بالتقريب بمدة كثيرة، لأن الأمر بالتقريب كان حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، ومن جملة أحاديث الزجر حديث ابن عمر، وهو كان في غزوة خيبر في سنة ست قلت: سلمنا ذلك، ولكن قوله: صلى الله عليه وسلم (وليقعد في بيته) صريح على أن كل هذه الأشياء عذر في التخليف عن الجماعة، وأيضا ههنا علتان: إحداهما: أذى المسلمين. والثانية: أذى الملائكة، فبالنظر إلى العلة الأولى يعذر في ترك الجماعة وحضور المسجد، وبالنظر إلى الثانية يعذر في ترك حضور المسجد، ولو كان وحده. ومنه: ما استدل به المهلب، وهو قوله: (فإني أناجي من لا تناجي): على أن الملائكة أفضل من البشر، وليس ذلك بصحيح، لأنه لا يلزم من تفضيل بعض أفراد الشيء على بعضه تفضيل الجنس على الجنس، وقد علم في موضعه. ومنه: ما استدل به بعضهم على أن أكل الثوم ونحوه كان حراما على النبي صلى الله عليه وسلم، وليس ذلك بصحيح، لأن قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي أيوب المذكور: (وليس بمحرم)، يدل بعمومه على عدم التحريم مطلقا.
وقال أحمد بن صالح عن ابن وهب أتي ببدر قال ابن وهب يعني طبقا فيه خضرات
(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 ... » »»