عمدة القاري - العيني - ج ٦ - الصفحة ١٤٤
ذكر معناه: قوله: (لا يجعلن)، بنون التأكيد في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: (لا يجعل)، بدون النون. قوله: (شيئا من صلاته)، وفي رواية مسلم: (جزءا من صلاته). قوله: (يرى) بفتح الياء آخر الحروف بمعنى: يعتقد أو يرى، بضم الياء بمعنى: يظن، ووجه ارتباط هذه الجملة بما قبلها هو إما أن يكون بيانا للجعل، أو يكون استئنافا تقديره: كيف يجعل للشيطان من صلاته؟ فقال: يرى أن حقا عليه إلى آخره. قوله: (حقا) منصوب لأنه اسم، أن، قوله: (أن لا ينصرف) في محل الرفع على أنه خبر: أن، والمعنى: يرى أن واجبا عليه عدم الانصراف إلا عن يمينه والكرماني تكلف ههنا فقال: أن لا ينصرف، معرفة إذ تقديره: عدم الانصراف، فكيف وقع خبرا لأن واسمه نكرة؟ ثم أجاب بأن النكرة المخصوصة كالمعرفة، أو أنه من باب القلب، أي: يرى أن عدم الانصراف حق عليه انتهى. قلت: هذا تعسف، وظاهر الإعراب هو الذي ذكرته. وقال الكرماني: وفي بعض الروايات: أن، بغير التشديد فهي إما مخففة من الثقيلة، وحقا، مفعول مطلق. وفعله محذوف أي: قد حق حقا. وأن لا ينصرف، فاعل الفعل المقدر. وإما مصدرية. قلت: لم تصح رواية التخفيف حتى يوجه بهذا التوجيه. قوله: (كثيرا ينصرف عن يساره) انتصاب كثير على أنه صفة لصدر رأيت محذوفا. وقوله: (ينصرف) جملة حالية وفي رواية مسلم: (أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله). فإن قلت: روى مسلم عن أنس أنه قال: (أما أنا فأكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه)، وبينهما تعارض، لأن كلا منهما قد عبر بصيغة أفعل. قلت: قال النووي: يجمع بينهما بأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل تارة هذا وتارة هذا، فأخبر كل منهما بما اعتقد أنه الأكثر، وإنما كره ابن مسعود أن يعتقد وجوب الانصراف عن اليمين، وقد مر الكلام في حكم هذا الباب عن قريب مستقصى.
160 ((باب ما جاء في الثوم النيء والبصعل والكراث وقول النبي صلى الله عليه وسلم من أكل الثوم أو البصل من الجوع أو غيره فلا يقربن مسجدنا)) أي: هذا باب في بيان ما جاء في أكل الثوم النيء وأكل البصل، والكراث. الثوم، بضم الثاء المثلثة. وقوله: (النىء)، بالجر: صفته أي: غير النضيج، هو بكسر النون بعدها ياء آخر الحروف ثم همزة. وقد تدغم الياء. قوله: (والبصل) أي: وما جاء في البصل. قوله: (والكراث)، أي: وما جاء في الكراث، وهو بضم الكاف وتشديد الراء. قوله: (وقول النبي صلى الله عليه وسلم) بالجر عطفا على قوله: (ما جاء)، أي: وما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أكل البصل..) إلى آخره، وهذا أيضا، من جملة الترجمة وليس لفظ الحديث هكذا، بل هذا من تصرف البخاري وتجويزه، نقل الحديث بالمعنى. فإن قلت: ليس في أحاديث الباب ذكر الكراث فلم ذكره في الترجمة؟ قلت: قال بعضهم: كأنه أشار به إلى ما وقع في بعض طرق حديث جابر، وهذا أولى من قول بعضهم: إنه قاسه على البصل. انتهى. قلت: روى مسلم في (صحيحه) من حديث جابر قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث، فغلبتنا الحاجة فأكلنا منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا). وفي (مسند الحميدي) بإسناد على شرط الصحيح: (سئل جابر عن الثوم فقال: ما كان بأرضنا يومئذ ثوم، إنما الذي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه البصل والكراث). وفي (مسند السراج): (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الكراث فلم ينتهوا، ثم لم يجدوا بدا من أكلها فوجد ريحها، فقال: ألم أنهكم..؟) الحديث. فالكراث إن لم يذكر صريحا في أحاديث الباب فيمكن أن نقول: إنه مذكور دلالة، فإن حديث جابر الذي يأتي فيه: (وأن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بقدر فيه خضرات من بقول فوجد لها ريحا..) الحديث، يدل على أن من جملة الخضرات التي لها ريح هو الكراث، وهو أيضا من البقول، فحينئذ تقع المطابقة بينه وبين قوله في الترجمة: والكراث، ووجود التطابق بين التراجم والأحاديث لا يلزم أن يكون صريحا دائما، يظهر ذلك بالتأمل، وهذا التوجيه أقرب من قول هذا القائل، كأنه أشار به إلى ما وقع في بعض طرق حديث جابر، رضي الله تعالى عنه، وقوله: هذا أولى من قول بعضهم، أنه قاسه على البصل، أراد به صاحب (التوضيح) فإنه قاله هكذا، وهذا أبعد من الذي قاله. فإن قلت: قوله من الجوع لم يذكر صريحا في أحاديث الباب؟ قلت: لم يقع هذا إلا في كلام الصحابي، وهو في حديث جابر الذي ذكرناه الآن، وفيه: (فغلبتنا الحاجة)، ومن جملة الحاجة: الجوع، وأصرح منه ما وقع في حديث أبي سعيد: (لم نعد أن فتحت خيبر فوقعنا في هذه البقلة والناس
(١٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 ... » »»