عمدة القاري - العيني - ج ٦ - الصفحة ١١٢
من ينزل عليك وعلينا وإما للعهد الخارجي إشارة إلى قول الله تعالى * (وسلام على عباده الذين اصطفى) * وقال الشيخ حافظ الدين النسفي يعني السلام الذي سلم الله عليك ليلة المعراج (قلت) فعلى هذا تكون الألف واللام فيه للعهد (فإن قلت) لم عدل عن الوصف بالرسالة إلى الوصف بالنبوة مع أن الوصف بالرسالة أعم في حق البشر (قلت) الحكمة في ذلك أن يجمع له الوصفين لكونه وصفه بالرسالة في آخر التشهد وإن كان الرسول البشري يستلزم النبوة لكن التصريح بها أبلغ وقيل الحكمة في تقديم الوصف بالنبوة أنها كذلك وجدت في الخارج لنزول قوله تعالى * (اقرأ باسم ربك) * قبل قوله * (يا أيها المدثر قم فأنذر) * قوله ' ورحمة الله ' الرحمة عبارة عن إنعامه عليه وهو المعنى الغائي لأن معناها اللغوي الحنو والعطف فلا يجوز أن يوصف الله به قوله ' وبركاته ' جمع بركة وهو الخير الكثير من كل شيء واشتقاقه من البرك وهو صدر البعير وبرك البعير ألقى بركه واعتبر منه معنى اللزوم وسمي محبس الماء بركة للزوم الماء فيها وقال الطيبي البركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء سمي بذلك لثبوت الخير فيه ثبوت الماء في البركة والمبارك ما فيه ذلك الخير وقال تعالى * (وهذا ذكر مبارك) * تنبيها على ما تفيض منه الخيرات الإلهية ولما كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحس وعلى وجه لا يحصى قيل لكل ما يشاهد فيه زيادة غير محسوسة هو مبارك أو فيه بركة قوله ' السلام علينا ' أراد بها الحاضرين من الإمام والمأمومين والملائكة عليهم الصلاة والسلام قوله ' وعلى عباد الله الصالحين ' الصالح هو القائم بما عليه من حقوق الله تعالى وحقوق العباد والصلاح هو استقامة الشيء على حالة كماله كما أن الفساد ضده ولا يحصل الصلاح الحقيقي إلا في الآخرة لأن الأحوال العاجلة وإن وصفت بالصلاح في بعض الأوقات لكن لا تخلو من شائبة فساد وخلل ولا يصفو ذلك إلا في الآخرة خصوصا لزمرة الأنبياء لأن الاستقامة التامة لا تكون إلا لمن فاز بالقدح المعلى ونال المقام الأسنى ومن ثم كانت هذه المرتبة مطلوبة للأنبياء والمرسلين قال الله تعالى في حق الخليل * (وإنه في الآخرة لمن الصالحين) * وحكي عن يوسف عليه الصلاة والسلام أنه دعا بقوله * (توفني مسلما وألحقني بالصالحين) * قوله ' فإنكم إذا قلتموها ' إلى قوله ' والأرض ' جملة معترضة بين قوله ' وعلى عباد الله الصالحين ' وبين قوله ' أشهد أن لا إله إلا الله ' والضمير المنصوب في قلتموها يرجع إلى قوله ' وعلى عباد الله الصالحين ' وفائدة هذه الجملة المعترضة الاهتمام بها لكونه أنكر عليهم عد الملائكة واحدا واحدا ولا يمكن استيعابهم لهم مع ذلك فعلمهم لفظا يشمل الجميع مع غير الملائكة من النبيين والمرسلين والصديقين وغيرهم بغير مشقة وهذا من جوامع الكلم التي أوتيها النبي وقد وردت هذه الجملة في بعض الطرق في آخر الكلام بعد سياق التشهد متواليا والظاهر أنه من تصرف الرواة والله أعلم قوله ' في السماء والأرض ' وفي رواية مسدد عن يحيى ' أو بين السماء والأرض ' والشك فيه من مسدد وفي رواية الإسماعيلي بلفظ ' من أهل السماء والأرض ' قوله ' أشهد أن لا إله إلا الله ' زاد ابن أبي شيبة من رواية أبي عبيدة عن أبيه ' وحده لا شريك له ' وسند ضعيف لكن ثبتت هذه الزيادة في حديث أبي موسى عند مسلم وفي حديث عائشة الموقوف في الموطأ وفي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عند الدارقطني إلا أن سنده ضعيف وقد روى أبو داود من وجه آخر صحيح عن ابن عمر في التشهد ' أشهد أن لا إله إلا الله قال ابن عمر زدت فيها وحده لا شريك له ' وهذا ظاهره الوقف قوله ' وأشهد أن محمدا عبد ورسوله ' قال أهل اللغة يقال رجل محمد ومحمود إذا كثرت خصاله المحمودة وقال ابن الفارس وبذلك سمي نبينا محمدا يعني لعلم الله تعالى بكثرة خصاله المحمودة (قلت) الفرق بين محمد وأحمد أن محمدا مفعل للتكثير وأحمد أفعل التفضيل والمعنى إذا حمدني أحد فأنت أحمد منهم وإذا حمدت أحدا فأنت محمد والعبد الإنسان حرا كان أو رقيقا يذهب فيه إلى أنه مربوب لباريه عز وجل وجمعه أعبد وعبيد وعباد وعبد وعبدان وعبدان وأعابد جمع أعبد والعبدي والعبدي والعبوداء والعبدة أسماء الجمع وجعل بعضهم العباد لله وغيره من الجمع لله وللمخلوقين وخص بهم بالعبدى العبيد الذين ولدوا في الملك والأنثى عبدة والعبدل العبد ولامه زائدة (ذكر ما يستفاد منه) وهو على وجوه. الأول فيما ورد من الاختلاف في ألفاظ التشهد روي في هذا الباب عن ابن
(١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 ... » »»