فإني قد صليت مع النبي وأبي بكر وعمر وعثمان فلم يجهروا بها ' فهؤلاء ثلاثة رووا هذا الحديث عن ابن عبد الله بن مغفل عن أبيه وهو أبو نعامة الحنفي قيس بن عباية وثقه ابن معين وغيره وقال ابن عبد البر هو ثقة عند جميعهم وقال الخطيب لا أعلم أحدا رماه ببدعة في دينه ولا كذب في روايته وعبد الله بن بريدة وهو أشهر من أن يثنى عليه وأبو سفيان السعدي وهو وإن تكلم فيه ولكنه يعتبر به فيما تابعه عليه غيره من الثقات وهو الذي سمى ابن عبد الله بن مغفل يزيد كما هو عند الطبراني فقد ارتفعت الجهالة عن ابن عبد الله بن مغفل برواية هؤلاء الثلاثة عنه وقد تقدم في مسند الإمام أحمد عن أبي نعامة عن بني عبد الله بن مغفل وبنوه الذين يروي عنهم يزيد وزياد ومحمد والنسائي وابن حبان وغيرهما يحتجون بمثل هؤلاء مع أنهم مشهورون بالرواية ولم يرو أحد منهم حديثا منكرا ليس له شاهد ولا متابع حتى يخرج بسببه وإنما رووا ما رواه غيرهم من الثقات فأما يزيد فهو الذي سمى في هذا الحديث وأما محمد فروى له الطبراني عنه عن أبيه قال سمعت النبي يقول ' ما من إمام يبيت غاشا لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ' وزياد أيضا روى له الطبراني عنه عن أبيه مرفوعا ' لا تخذفوا فإنه لا يصاد به صيد ولا ينكأ العدو ولكنه يكسر السن ويفقأ العين ' وبالجملة فهذا حديث صريح في عدم الجهر بالبسملة وهو وإن لم يكن من أقسام الصحيح فلا ينزل عن درجة الحسن وقد حسنه الترمذي والحديث الحسن يحتج به لا سيما إذا تعددت شواهده وكثرت متابعاته والذين تكلموا فيه وتركوا الاحتجاج به بجهالة ابن عبد الله بن مغفل قد احتجوا في هذه المسألة بما هو أضعف منه بل احتج الخطيب بما يعلم أنه موضوع فذلك جرأة عظيمة لأجل تعصبه وحميته بما لا ينفعه في الدنيا ولا في الآخرة ولم يحسن البيهقي في تضعيف هذا الحديث إذ قال بعد أن رواه في كتاب المعرفة فهذا حديث تفرد به أبو نعامة قيس بن عباية وابن عبد الله بن مغفل وأبو نعامة وابن عبد الله بن مغفل لم يحتج بهما صاحبا الصحيح فقوله تفرد به أبو نعامة غير صحيح فقد تابعه عبد الله بن بريدة وأبو سفيان كما ذكرناه وقوله وأبو نعامة وابن عبد الله بن مغفل لم يحتج بهما صاحبا الصحيح ليس هذا لازما في صحة الإسناد ولئن سلمنا فقد قلنا أنه حسن والحسن يحتج به وهذا الحديث يدل على أن ترك الجهر عندهم كان ميراثا عن نبيهم يتوارثونه خلفهم عن سلفهم وهذا وحده كاف في المسألة لأن الصلاة الجهرية دائمة صباحا ومساء فلو كان يجهر بها دائما لما وقع فيه الاختلاف ولا الاشتباه ولكان معلوما بالاضطرار ولما قال أنس يجهر بها ولا خلفاؤه الراشدون ولما قال عبد الله بن مغفل ذلك أيضا وسماه حدثا ولما استمر عمل أهل المدينة في محراب النبي ومقامه على ترك الجهر فيتوارثه آخرهم عن أولهم ولا يظن عاقل أن أكابر الصحابة والتابعين وأكثر أهل العلم كانوا يواظبون على خلاف ما كان يفعله وسيأتي الجواب عن أحاديث الجهر إن شاء الله تعالى النوع الثالث احتج به مالك وأصحابه على ترك التسمية في ابتداء الفاتحة وأنها ليست منها وبه قال الأوزاعي والطبري وقال أصحابنا البسملة آية من القرآن أنزلت للفصل بين السور وليست من الفاتحة ولا من أول كل سورة ولا يجهر بها بل يقولها سرا وبه قال الثوري وأحمد وإسحاق وقال أبو عمر قال مالك لا تقرؤا البسملة في الفرض سرا ولا جهرا وفي النافلة إن شاء فعل وإن شاء ترك وهو قول الطبري وقال الثوري وأبو حنيفة وابن أبي ليلى وأحمد يقرأ مع أم القرآن في كل ركعة إلا ابن أبي ليلى فإنه قال إن شاء جهر بها وإن شاء أخفاها وقال الشافعي هي آية من الفاتحة يخفيها إذا أخفى ويجهر بها إذا جهر واختلف قوله هل هي آية من كل سورة أم لا على قولين أحدهما نعم وهو قول ابن المبارك والثاني لا النوع الرابع في أنها يجهر بها أم لا قال صاحب التوضيح وعندنا يستحب الجهر بها فيما يجهر فيه وبه قال أكثر العلماء والأحاديث الواردة في الجهر كثيرة متعددة عن جماعة من الصحابة يرتقي عددهم إلى أحد وعشرين صحابيا رووا ذلك عن النبي منهم من صرح بذلك ومنهم من فهم من عبارته والحجة قائمة بالجهر وبالصحة ثم ذكر من الصحابة أبا هريرة وأم سلمة وابن عباس وأنسا وعلي بن أبي طالب وسمرة بن جندب (قلت) ومن الذين عدهم عمار وعبد الله بن عمر والنعمان بن بشير والحكم بن عمير ومعاوية وبريدة بن الحصيب وجابر وأبو سعيد وطلحة وعبد الله بن أبي أوفى وأبو بكر الصديق ومجالد بن ثور وبشر بن معاوية والحسين بن عرفطة وأبو موسى الأشعري فهؤلاء أحد
(٢٨٤)