(ذكر ما يستفاد منه) فيه تحذير من الفتنة والدخول فيها ومن جميع ما ينكر من قول أو فعل أو اعتقاد يدل عليه قوله ' وإذا أساؤا فاجتنب ' وفيه أن الصلاة خلف من تكره الصلاة خلفه أولى من تعطيل الجماعة وقال بعضهم وفيه رد على من زعم أن الجمعة لا تجزيء أن تقام بغير إذن الإمام (قلت) ليس فيه رد بل دعوى الرد على ذلك مردودة لأن عليا صلى يوم عيد الأضحى الذي شرطها أن يصلي من يصلي الجمعة فمن أين ثبت أنه صلى بغير إذن عثمان وكذلك روي عنه أنه صلى عدة صلوات وفيها الجمعة فمن ادعى أنه صلى بغير استئذان فعليه البيان ولئن سلمنا أنه صلى بغير استئذان ولكن كان ذلك بسب تخلف الإمام عن الحضور وإذا تعذر حضور الإمام فعلى المسلمين إقامة رجل منهم يقوم به وهذا كما فعل المسلمون بموته لما قتل الأمراء اجتمعوا على خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه أو نقول أن عليا لم يتوصل إليه فعن هذا قال محمد بن الحسن لو غلب على مصر متغلب وصلى بهم الجمعة جاز ونقل ذلك عن الحسن البصري وكان علي رضي الله تعالى عنه أولى بذلك لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم رضوا به وصلوا وراءه وسواء كان بإذن أو لا بإذن فلا نرى جوازها بغير إذن الإمام وكيف وقد روى ابن ماجة عن جابر بن عبد الله قال ' خطبنا رسول الله ' الحديث وفيه ' فمن تركها ' أي الجمعة ' في حياتي أو بعدي وله إمام عادل أو جائر استخفافا بها وجحودا لها فلا جمع الله شمله ولا بارك له في أمره ألا ولا صلاة له ولا زكاة له ولا حج له ولا صوم له ولا بر له حتى يتوب ' الحديث ومن هذا أخذ أصحابنا وقالوا لا تجوز إقامتها إلا للسلطان وهو الإمام الأعظم أو لمن أمره كالنائب والقاضي والخطيب (فإن قلت) هذا الحديث ضعيف وفي سنده عبد الله بن محمد وهو تكلم فيه (قلت) هذا روي من طرق كثيرة ووجوه مختلفة فحصل له بذلك قوة فلا يمنع من الاحتجاج به وأما الصلاة خلف الخوارج وأهل البدع فاختلف العلماء فيه فأجازت طائفة منهم ابن عمر إذا صلى خلف الحجاج وكذلك ابن أبي ليلى وسعيد بن جبير ثم خرجا عليه وقال النخعي كانوا يصلون وراء الأمراء ما كانوا وكان أبو وائل يجمع مع المختارين عبيد وسئل ميمون بن مهران عن الصلاة خلف رجل يذكر أنه من الخوارج فقال أنت لا تصلي له إنما تصلي لله عز وجل وقد كنا نصلي خلف الحجاج وكان حروريا أزرقيا وروى أشهب عن مالك لا أحب الصلاة خلف الأباضية والواصلية ولا السكنى معهم في بلد وقال ابن القاسم أرى الإعادة في الوقت على من صلى خلف أهل البدع وقال أصبغ يعيد أبدا وقال الثوري في القدري لا تقدموه وقال أحمد بن حنبل لا يصلى خلف أحد من أهل الأهواء إذا كان داعيا إلى هواه ومن صلى خلف الجهمية والرافضية والقدرية يعيد وقال أصحابنا تكره الصلاة خلف صاحب هوى وبدعة ولا تجوز خلف الرافضي والجهمي والقدري لأنهم يعتقدون أن الله لا يعلم الشيء قبل حدوثه وهو كفر والمشبهة ومن يقول بخلق القرآن وكان أبو حنيفة لا يرى الصلاة خلف المبتدع ومثله عن أبي يوسف وأما الفاسق بجوارحه كالزاني وشارب الخمر فزعم ابن حبيب أن من صلى خلف من شرب الخمر يعيد أبدا إلا أن يكون واليا وقيل في رواية يصح وفي المحيط لو صلى خلف فاسق أو مبتدع يكون محرز لثواب الجماعة ولا ينال ثواب من صلى خلف المتقي وفي المبسوط يكره الاقتداء بصاحب البدعة (وقال الزبيدي قال لزهري لا نرى أن يصلي خلف المخنث إلا من ضرورة لا بد منها) الزبيدي بضم الزاي وفتح الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المكسورة وهي نسبة إلى زبيدى وهو بطن في مذحج وفي الأزد وفي خولان القضاعية وهو صاحب الزهري واسمه محمد بن الوليد أبو الهذيل الشامي الحمصي قال ابن سعد مات سنة ثمان وأربعين ومائة وهو ابن سبعين سنة والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب قوله ' أن يصلي ' على صيغة المجهول قوله ' المخنث ' بكسر النون وفتحها والكسر أفصح والفتح أشهر وهو الذي خلقه خلق النساء وهو نوعان من يكون ذلك خلقة له لا صنع له فيه وهذا لا إثم عليه ولا ذم ومن تكلف ذلك وليس له خلقيا وهذا هو المذموم وقيل بكسر النون من فيه تكسر وتثن وتشبه بالنساء وبالفتح من يؤتى في دبره وقال أبو عبد الملك أراد الزهري الذي يؤتى في دبره وأما من يتكسر في كلامه ومشيه فلا بأس بالصلاة خلفه وقال الداودي أرادهما لأنهما بدعة وجرحة وذلك لأن الإمامة موضع كمال واختيار أهل الفضل وكما أن إمام الفتنة والمبتدع كل منهما مفتون في طريقته فلما شملهم معنى الفتنة
(٢٣٢)