عمدة القاري - العيني - ج ٥ - الصفحة ٩
(ذكر معناه) قوله ' كنا جلوسا ' أي جالسين قوله ' في الفتنة ' وهي الخبرة والإعجاب بالشيء فتنه يفتنه فتنا وفتونا وأفتنه وأباها الأصمعي وقال سيبويه فتنه جعل فيه فتنة وأفتنه أوصل الفتنة إليه قال إذا قال أفتنته فقد تعرض الفتن وإذا قال فتنته فلم يتعرض الفتن وحكى أبو زيد أفتن الرجل بصيغة ما لم يسم فاعله أي فتن والفتنة الضلال والإثم وفتن الرجل أماله عما كان عليه قال تعالى * (وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك) * والفتنة الكفر قال تعالى * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) * والفتنة الفضيحة والفتنة العذاب والفتنة ما يقع بين الناس من القتال ذكره ابن سيده والفتنة البلية وأصل ذلك كله من الاختبار وأنه من فتنت الذهب في النار إذا اختبرته وفي الغريبين الفتنة الغلو في التأويل المظلم وقال ابن طريف فتنته وأفتنته وفتن بكسر التاء فتونا تحول من حسن إلى قبيح وفتن إلى النساء وفتن فيهن أراد الفجور بهن وفي الجمهرة فتنت الرجل أفتنه وأفتنته إفتانا وفي الصحاح قال الفراء أهل الحجاز يقولون (ما أنتم عليه بفاتنين) وأهل نجد يقولون بمفتنين من أفتنت وزعم عياض أنها الابتلاء والامتحان قال وقد صار في عرف الكلام لكل أمر كشفه الاختبار عن سوء ويكون في الخير والشر قال تعالى * (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) * قوله ' قلت أنا كما قاله ' أي أحفظ كما قاله رسول الله (فإن قلت) الكاف ههنا لماذا وهو حافظ لنفس قول رسول الله لا كمثله (قلت) يجوز أن تكون الكاف هنا للتعليل لأنها اقترنت بكلمة ما المصدرية أي أحفظ لأجل حفظ كلامه ويجوز أن تكون للاستعلاء يعني أحفظ على ما عليه قوله وقال الكرماني لعله نقله بالمعنى فاللفظ مثل لفظه في أداء ذلك المعنى (قلت) حاصل كلامه يؤول إلى معنى المثلية وهو في سؤاله نفي المثلية فانتفى بذلك أن تكون الكاف للتشبيه وقال بعضهم الكاف زائدة (قلت) هذا أخذه من الكرماني ولم يبين واحد منهما أن الكاف إذا كانت زائدة ما تكون فائدته (فإن قلت) لفظ أنا مفرد وهو مقول قوله (قلت) وقد علم أن مقول القول يكون جملة (قلت) أنا مبتدأ وخبره محذوف تقديره أنا أحفظ أو أضبط أو نحوهما قوله ' عليه ' أي قول رسول الله قوله ' أو عليها ' أي أو على مقالته والشك من حذيفة قاله الكرماني (قلت) يجوز أن يكون ممن دونه قوله ' لجريء ' خبر أن في قوله ' إنك ' واللام للتأكيد والجريء على وزن فعيل من الجراءة وهي الإقدام على الشيء قوله ' فتنة الرجل في أهله ' قال ابن بطال فتنة الرجل في أهله أن يأتي من أجلهم ما لا يحل له من القول أو العمل مما لم يبلغ كبيرة وقال المهلب يريد ما يعرض له معهن من شر أو حزن أو شبهة قوله ' وماله ' فتنة الرجل في ماله أن يأخذه من غير مأخذه ويصرفه في غير مصرفه أو التفريط بما يلزمه من حقوق المال فتكثر عليه المحاسبة قوله ' وولده ' فتنة الرجل في ولده فرط محبتهم وشغله بهم عن كثير من الخير أو التوغل في الاكتساب من أجلهم من غير اكتراث من أن يكون من حلال أو حرام قوله ' وجاره ' فتنة الرجل في جاره أن يتمنى أن يكون حاله مثل حاله إن كان متسعا قال تعالى * (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة) * قوله ' تكفرها الصلاة ' أي تكفر فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره أداء الصلاة قال تعالى * (إن الحسنات يذهبن السيئات) * يعني الصلوات الخمس إذا اجتنبت الكبائر هذا قول أكثر المفسرين وقال مجاهد هي قول العبد سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وقال ابن عبد البر قال بعض المنتسبين إلى العلم من أهل عصرنا أن الكبائر والصغائر تكفرها الصلاة والطهارة واستدل بظاهر هذا الحديث وبحديث الصنابحي ' إذا توضأ خرجت الخطايا من فيه ' الحديث وقال أبو عمر هذا جهل وموافقة للمرجئة وكيف يجوز أن تحمل هذه الأخبار على عمومها وهو يسمع قوله تعالى * (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا) * في آي كثير فلو كانت الطهارة وأداء الصلوات وأعمال البر مكفرة لما احتاج إلى التوبة وكذلك الكلام في الصوم والصدقة والأمر والنهي فإن المعنى أنها تكفر إذا اجتنبت الكبائر قوله ' والأمر ' أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما صرح به البخاري في الزكاة (فإن قلت) ما النكتة في تعيين هذه الأشياء الخمسة (قلت) الحقوق لما كانت في الأبدان والأموال والأقوال فذكر من أفعال الأبدان أعلاها وهو الصلاة والصوم قال الله تعالى * (وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) * وذكر من حقوق الأموال أعلاها وهي الصدقة ومن الأقوال أعلاها وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوله ' تموج ' من ماج البحر أي تضطرب ويدفع بعضها بعضها لعظمها وكلمة ما في كما تموج مصدرية أي كموج البحر وهو تشبيه غير بليغ قوله ' قال ' أي قال حذيفة قوله ' بأس ' أي شدة قوله
(٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 ... » »»