فالمقصرين. وقيل: تقع الفاء تارة بمعنى: ثم، كما في قوله تعالى: * (ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما) * (المؤمنون: 140). فالفا آت فيها بمعنى: ثم، لتراخي معطوفاتها، فعلى هذا يجوز أن تكون الفاء ههنا بمعنى: ثم، بمعنى أبعدهم ثم أبعدهم. قوله: (ممشى)، بفتح الميم الأولى وسكون الثانية اسم مكان، وهو منصوب على التمييز، والمعنى: أبعدهم مسافة إلى المسجد. قوله: (من الذي يصلي) أعم من أن يكون مع جماعة أو وحده. قوله: (ثم ينام) قال الكرماني فإن قلت: هذا التفضيل أمر ظاهر ضروري، فما الفائدة في ذكره؟ قلت: معناه أن الذي ينتظرها حتى يصليها مع الإمام آخر الوقت أعظم أجرا من الذي يصليها في وقت الاختيار وحده، أو: الذي ينتظرها حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرا من الذي يصليها أيضا مع الإمام بدون انتظار، أي: كما أن بعد المكان مؤثر في زيادة الأجر كذلك طول الزمان، لأنهما يتضمنان لزيادة المشقة الواقعة مقدمة للجماعة قلت: قد علم أن السبب في تحصيل هذا الأجر العظيم انتظار الصلاة وإقامتها مع الإمام، فإن وجد أحدهما دون الأخر فلا يحصل له ذلك، ويعلم من هذا أيضا أن تأخير الصلاة عن وقت الاختيار لا يخلو عن أجر كما في تأخير الظهر إلى أن) يبرد الوقت عند اشتداد الحر، وتأخير العصر إلى ما قبل تغير قرص الشمس، وتأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل، وتأخير الصبح إلى وقت الإسفار. ثم قال الكرماني أيضا. فإن قلت: فما فائدة: ثم ينام؟ قلت: أشار إلى الاستراحة المقابلة للمشقة التي في ضمن الانتظار.
ومما يستفاد منه: الدلالة على فضل المسجد البعيد لأجل كثرة الخطا، وسيأتي بيان ذلك في الباب الذي يلي هذا الباب، إن شاء الله.
32 ((باب فضل التهجير إلى الظهر)) أي: هذا باب في بيان فضل التهجير إلى صلاة الظهر. التهجير: التبكير إلى كل شيء والمبادرة إليه، يقال: هجر يهجر تهجيرا فهو مهجر، وهي لغة قليلة حجازية، أراد المبادرة إلى أول وقت الصلاة، وإنما قال: إلى الظهر مع أن لفظ التهجير يغني عنه لزيادة التأكيد، وعامة نسخ البخاري: باب فضل التهجير إلى الظهر. وعليه شرح ابن التين وغيره، وفي بعضها: باب فضل التهجير إلى الصلاة، وعليه شرح ابن بطال، وهذه النسخة أعم وأشمل.
652 ح دثنا قتيبة عن مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له. ثم قال الشهداء خمس المطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله. وقال لو يعلم االناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا لاستهموا عليه. ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه. ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما حبوا.
مطابقته للترجمة في قوله: (لو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه) وهذا المتن، الذي ذكره مشتمل على خمسة أحاديث: الأول: الذي أخذ الغصن. الثاني: الشهداء، الثالث: الاستهام. الرابع: التهجير. الخامس: الحبو، ولم يفرق البخاري بينها كعادته لأجل التراجم، لأن قتيبة حدث به عن مالك هكذا مجموعا.
ذكر رجال: وهم خمسة، قد ذكروا غير مرة، وسمي، بضم السين مهملة وفتح الميم: مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة القريشي المخزومي المدني، وأبو صالح اسمه: ذكوان، بالذال المعجمة، وكان يجلب السمن والزيت إلى الكوفة.
ذكر لطائف إسناده: فيه: التحديث بصيغة الإفراد في موضع واحد، وفيه: العنعنة في أربعة مواضع. وفيه: أن رواته كلهم مدنيون ما خلا قتيبة بن سعيد، فإنه بغلاني، بغلان بلخ من خراسان.