عمدة القاري - العيني - ج ٤ - الصفحة ١٨٩
ولا يقومون مع الناس. وقال مالك: وأنا أفعل ذلك، وما قام رسول ا، صلى ا تعالى عليه وسلم، إلا في بيته. وروي ذلك عن ابن عمر وسالم والقاسم وإبراهيم ونافع أنهم كانوا ينصرفون ولا يقومون مع الناس. وقال الترمذي: واختار الشافعي أن يصلي الرجل وحده إذا كان قارئا، ثم احتج الطحاوي بهؤلاء بما رواه زيد بن ثابت عن النبي، صلى ا تعالى عليه وسلم، قال: (خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)، ثم روى عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يصلي خلف الإمام في شهر رمضان، وروي أيضا إبراهيم النخعي، وذهب إليه الطحاوي أيضا حتى قال في آخر الباب: وذلك هو الصواب.
35 ((باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب)) أي: هذا باب في بيان حكم الصلاة في الأمكنة التي خسفت أو نزل عليها العذاب، وأبهم حكمه حيث لم يبين: هل هي مكروهة أو غير جائزة؟ ولكن تقديره: يكره لدلالة أثر علي، على ذلك، يقال: خسف المكان يخسف خسوفا: ذهب في الأرض، وخسف ا به الأرض خسفا، أي: غاب به فيها، ومنه قوله تعالى: * (فخسفنا به وبداره الأرض) * (القصص: 18) وخسف هو في الأرض، وخسف به، وخسوف العين ذهابها في الرأس، وخسوف القمر كسوفه. قوله: (والعذاب)، من باب عطف العام على الخاص.
ويذكر أن عليا رضي الله عنه كره الصلاة بخسف بابل مطابقة هذا الأثر للترجمة ظاهرة، وهو يدل أيضا على أن مراده من عقد هذا الباب هو الإشارة إلى أن الصلاة في مواضع الخسف مكروهة وهذا التعليق رواه ابن أبي شيبة عن وكيع، حدثنا سفيان حدثنا عبد الله بن شريك عن عبد الله بن أبي المحل العامري، قال: (كنا مع علي، رضي ا تعالى عنه، فمررنا على الخسف الذي ببابل، فلم يصل حتى أجازه) أي: تعداه، و: المحل، بضم الميم وكسر الحاء المهملة وتشديد اللام، وروى أبو داود في (سننه): من حديث حجاج بن شداد عن أبي صالح الغفاري (عن علي، رضي ا تعالى عنه، أنه مر ببابل وهو يسير، فجاءه المؤذن يؤذن بصلاة العصر، فلما بدر منها أمر المؤذن، فأقام، فلما فرغ من الصلاة قال: إن حبيبي، صلى ا تعالى عليه وسلم، نهاني أن أصلي في المقبرة، ونهاني أن أصلي في أرض بابل، فإنها ملعونة).
قال ابن يونس أبو صالح الغفاري: سعيد بن عبد الرحمن روى عن علي، وما أظنه سمع منه. وقال ابن القطان: في سنده رجال لا يعرفون. وقال عبد الحق: هو حديث واه. وقال البيهقي في (المعرفة): إسناده غير قوي. وقال الخطابي: في سنده مقال ولا أعلم أحدا من العلماء حرم الصلاة في أرض بابل، وقد عارضه ما هو أصح منه، وهو قوله: (جعلت لي الأرض مسجدا) ويشبه، إن ثبت الحديث، أن يكون نهاه أن يتخذها وطنا ومقاما، فإذا أقام بها كانت صلاته بها، وهذا من باب التعليق في علم البيان قلت: أراد بها الملازمة الشرعية، لأن من لازم إقامة شخص بمكان أن تكون صلاته فيه، فيكون من باب إطلاق الملزوم وإرادة اللازم، وإنما قيدنا الملازمة بالشرعية لانتفاء الملازمة العقلية. وقال الخطابي أيضا: لعل النهي لعلي خاصة، ألا ترى أنه قال: نهاني، ولعل ذلك إنذار منه ما لقي من المحنة بالكوفة، وهي من أرض بابل. قال أبو عبيد البكري: بابل بالعراق مدينة السحر معروفة. وقال الجوهري: بابل، اسم موضع بالعراق ينسب إليه السحر والخمر، وقال الأخفش: لا ينصرف لتأنيثه، وذلك أن اسم كل شيء مؤنث إذا كان أكثر من ثلاثة أحرف فإنه لا ينصرف في المعرفة، وقال أصحاب الأخبار: بنى نمرود المجدل، أي: القصر بها، وطوله في السماء خمسة آلاف ذراع، وهو البنيان الذي ذكره ا تعالى في كتابه العزيز، بقوله تعالى: * (فأتى ا بنيانهم من القواعد) * (النحل: 62) وبات الناس ولسانهم سرياني فأصبحوا وقد تفرقت لغاتهم على اثنين وسبعين لسانا، كل يتبلبل بلسانه، فسمى الموضع بابلا. وقال الهمداني: وربما سموا العراق بابلا، قال عمر بن أبي ربيعة، وأتى البصرة فضافه ابن الهلال المعروف بصديق الجن:
* يا أهل بابل ما نفست عليكم * من عيشكم إلا ثلاث خلال * :
* ماء الفرات، وظل عيش بادر * وغنى مسمعتين لابن هلال * وذكر الطبراني في تفسيره: بابل، اسم قرية أو موضع من مواضع الأرض، وقد اختلف أهل التأويل فيها، فقال بعضهم، وهو السدي: هي بابل دنباوند، وقال بعضهم: بل ذلك بالعراق، ورد ذلك في حديث مروي عن عائشة، رضي ا تعالى عنها
(١٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 ... » »»