عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٢٥٩
ذكر لطائف إسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضع. وفيه: الإخبار بصيغة الإفراد في أربعة مواضع غير أن في قوله: قال أخبرني، روي: الثالث: أخبرنا الأول أكثر. وفيه: العنعنة في موضع واحد. وفيه: القول في موضع واحد. وفيه: لطيفة حسنة وهي أن ابن جريح يروي عن هشام، وهشام يروي عن ابن جريج فالأعلى ابن عروة، والأدنى ابن يوسف. وفيه: أن رواته ما بين رازي وصنعاني ومكي ومدني.
ذكر معناه وإعرابه: قوله: (أنه سئل) أي: عروة سئل، وهو على صيغة المجهول. قوله: (أتخدمني الحائض؟) الهمزة فيه للاستفهام. قوله: (أو تدنو؟) أي: أو تقرب؟ قوله: (وهي جنب) جملة اسمية وقعت حالا. ولفظ جنب، يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع، وهي اللغة الفصيحة قوله: (كل ذلك) إشارة إلى الخدمة، والدنو اللذان يدلان عليهما لفظ أتخدمني وتدنو؟ وجاءت الإشارة بلفظ ذلك للمثنى قال الله تعالى: * (عوان بين ذلك) * (سورة البقرة: 68) قوله: (هين) أي: سهل، وهو بالتشديد والتخفيف: كميت وميت، وأصله: هيون اجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء. قوله: (وكل ذلك) أي: الحائض والجنب، والتذكير باعتبار المذكور لفظا، ووجه التثنية قد ذكرناه. قوله: (وليس على أحد في ذلك بأس) أي: حرج، وكان مقتضى الظاهر أن يقول: وليس علي في ذلك بأس، لكنه قصد بذلك التعميم مبالغة فيه، ودخل هو فيه بالقصد الأول. قوله: (ترجل رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (وهي حائض) جملة حالية، وإنما لم يقل: حائضة، لعدم الالتباس، وأما قولهم: جاء الحاملة والمرضعة، في الاستعمال، فلإرادة التباسهما بتلك الصفة بالفعل، فإذا أريد التباسهما بالقوة. يكون بلا تاء، وقال الزمخشري في قوله تعالى: * (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت) * (سورة الحج: 2) فإن قلت: لم قيل مرضعة دون مرضع؟ قلت: المرضعة التي هي في حال الإرضاع تلقم ثديها الصبي، والمرضع التي من شأنها أن ترضع وإن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به. قوله: (حينئذ) أي: حين الترجيل. قوله: (مجاور) أي: معتكف. قوله: (بدني) بضم الياء أي: يقرب لها، أي: لعائشة رأسه، والحال أنها في حجرتها، وكانت حجرتها ملاصقة للمسجد، والحجرة، بضم الحاء البيت. قوله: (فترجله) أي: ترجل عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: ترجل شعر رأسه، والحال أنها حائض.
والحديث دل على جواز خدمة الحائض فقط، وأما دلالته على دنو الجنب فبالقياس عليها، والجامع اشتراكهما في الحدث الأكبر، وهو من باب القياس الجلي، لأن الحكم بالفرع أولى، لأن الاستقذار من الحائض أكثر.
ومما يستنبط من الحديث أن المعتكف إذا خرج رأسه أو يده أو رجاله من المسجد لم يبطل اعتكافه، وأن من حلف لا يدخل دالاا أو لا يخرج منها فأدخل بعضه أو أخرج بعضه لا يخنث. وفيه: جواز استخدام الزوجة في الغسل ونحوه برضاها، وأما بغير رضاها فلا يجوز، لأن عليها تمكين الزوج من نفسها وملازمة بيته فقط، وقال ابن بطال: وهو حجة على طهارة الحائض وجواز مباشرتها. وفيه: دليل على أن المباشرة التي قال الله تعالى: * (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) * (سورة البقرة: 187) لم يرد بها كل ما وقع عليه اسم المس، وإنما أراد بها الجماع أو ما دونه من الدواعي للذة. وفيه: ترجيل الشعر للرجال وما في معناه من الزينة. وفيه: أن الحائض لا تدخل المسجد تنزيها له وتعظيما، وهو المشهور من مذهب مالك، وحكى ابن سلمة أنها تدخل هي والجنب، وفي رواية: يدخل الجنب ولا تدخل الحائض. وقال ابن بطال: وفيه: حجة على الشافعي في أن المباشرة الخفيفة مثل ما في هذا الحديث لا تنقض الوضوء. وقال الكرماني: ليس فيه حجة على الشافعي، إذ هو لا يقول بأن مس الشعر ناقض للوضوء، وقال بعضهم: ولا حجة فيه، لأن الاعتكاف لا يشترط فيه الوضوء، وليس في الحديث أنه عقب ذلك الفعل بالصلاة، وعلى تقدير ذاك فمس الشعر لا ينقض الوضوء. قلت: وليس في الحديث أيضا أنه توضأ عقيب ذلك، والله أعلم بالصواب.
3 ((باب قراءة الرجل في حجر امرأته وهي حائض)) أي: هذا باب في بيان حكم قراءة الرجل في حجر امرأته، والحال أنها حائض، والحجر بفتح الحاء المهملة وكسرها، وسكون الجيم والجمع حجور، ومحل: في حجر امرأته، نصب على الحال تقديره قراءة الرجل حال كونه متكئا على حجر امرأته،
(٢٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 ... » »»