التفسير أخص من الصحة فكل مقبول صحيح ولا عكس قوله من أحدث قد قلنا أن معناه من وجد منه الحدث وهو عبارة عما نقض الوضوء وهو بموضوعه يطلق على الأكبر كالجنابة والحيض والنفاس والأصغر كنواقض الوضوء وقد يسمى المنع المرتب عليه حدثا وبه يصح قولهم رفعت الحدث ونويت رفعه وإلا استحال ما يرفع أن لا يكون رافعا وكأن الشارع جعل أمد المنع المرتب على خروج الخارج إلى استعمال المطهر وبهذا يقوى قول من يرى أن التيمم يرفع الحدث لكون المرتفع هو المنع وهو مرتفع بالتيمم لكنه مخصوص بحالة ما أو بوقت ما وليس ذلك ببدع فإن الأحكام قد تختلف باختلاف محلها وقد كان الوضوء في صدر الإسلام واجبا لكل صلاة فقد ثبت أنه كان مختصا بوقت مع كونه رافعا للحدث اتفاقا ولا يلزم من انتهائه في ذلك الوقت بانتهاء وقت الصلاة إلا يكون رافعا للحدث ثم زال ذلك الوجوب كما عرف. وقد ذكر الفقهاء أن الحدث وصف حكمي مقدر قيامه بالأعضاء على معنى الوصف الحسي وينزلون الوصف الحكمي منزلة الحسي في قيامه بالأعضاء فمن يقول بأن التيمم لا يرفع الحدث يقول أن الأمد المقدر الحكمي باق لم يزل والمنع الذي هو مرتب عليه التيمم زائل قوله حتى يتوضأ نفى القبول إلى غاية وهو الوضوء وما بعد الغاية مخالف لما قبلها فاقتضى قبول الصلاة بعد الوضوء مطلقا ودخل تحته الصلاة الثانية قبل الوضوء لها ثانيا وتحقيقه أن لفظ صلاة اسم جنس فيعم * ثم اعلم أن معنى قوله حتى يتوضأ بالماء أو ما يقوم مقامه لأنه قد أتى بما أمر به على أن التيمم من أسمائه الوضوء قال عليه الصلاة والسلام الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين رواه النسائي بإسناد صحيح عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه فأطلق الشارع على التيمم أنه وضوء لكونه قام مقامه وإنما اقتصر على ذكر الوضوء نظرا إلى كونه الأصل وههنا قيد آخر ترك ذكره للعلم به وهو حتى يتوضأ مع باقي شروط الصلاة والضمير في قوله حتى يتوضأ يرجع إلى قوله من أحدث وسماه محدثا وإن كان طاهرا باعتبار ما كان كما في قوله تعالى * (وآتوا اليتامى أموالهم) * وقوله حتى يتوضأ هو آخر الحديث والباقي إدراج والظاهر أنه من همام قوله فساء أو ضراط قال ابن بطال إنما اقتصر على بعض الأحداث لأنه أجاب سائلا سأله عن المصلي يحدث في صلاته فخرج جوابه على ما سبق المصلي من الإحداث في صلاته لأن البول والغائط ونحوهما غير معهود في الصلاة وقال الخطابي لم يرد بذكر هذين النوعين تخصيصهما وقصر الحكم عليهما بل دخل في معناه كل ما يخرج من السبيلين والمعنى إذا كان أوسع من الحكم كان الحكم للمعنى ولعله أراد به أن يثبت الباقي بالقياس عليه للمعنى المشترك بينهما قلت ولعل ذلك لأن ما هو أغلظ من الفساء بالطريق الأولى ويحتمل أن يقال المجمع عليه من أنواع الحدث ليس إلا الخارج النجس من المعتاد وما يكون مظنة له كزوال العقل فأشار إليه على سبيل المثال كما يقال الاسم زيد أو كزيد ويسمى مثله تعريفا بالمثال أو يقال كان أبو هريرة يعلم أنه عارف بسائر أنواع الحدث جاهل بكونهما حدثا فتعرض لحكمهما بيانا لذلك كذا قال بعض الشارحين وفيه بعد والأقرب أن يقال أنه أجاب السائل بما يحتاج إلى معرفته في غالب الأمر كما ورد نحو ذلك في حديث آخر لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا.
(بيان استنباط الأحكام) الأول فيه الدلالة على أن الصلوات كلها مفتقرة إلى الطهارة ويدخل فيها صلاة الجنازة والعيدين وغيرهما وحكى عن الشعبي ومحمد بن جرير الطبري أنهما أجازا صلاة الجنازة بغير وضوء وهو باطل لعموم هذا الحديث والإجماع ومن الغريب أن قولهما قال به بعض الشافعية فلو صلى محدثا متعمدا بلا عذر أثم ولا يكفر عند الجمهور وبه قالت الشافعية وحكى عن أبي حنيفة أنه يكفر لتلاعبه * الثاني فيه الدليل على بطلان الصلاة بالحدث سواء كان خروجه اختياريا أو اضطراريا لعدم التفرقة في الحديث بين حدث وحدث في حالة دون حالة * الثالث قال بعض الشارحين هذا الحديث رد على من يقول إذا سبقه الحدث يتوضأ ويبني على صلاته قلت هذا قول أبي حنيفة رحمه الله وحكى عن مالك وهو قول الشافعي في القديم وهو ليس يرد عليهم أصلا لأن من سبقه الحدث إذا ذهب وتوضأ وبنى على صلاته يصدق عليه أنه توضأ وصلى بالوضوء وإن كان القياس يقتضي بطلان صلاته على أنه ورد الأثر فيه * الرابع قال الكرماني فيه أن الطواف لا يجزئ بغير طهور لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه صلاة فقال الطواف صلاة إلا أنه أبيح فيه الكلام قلت اشتراط الطهارة للطواف بخبر