قال (عليه السلام): فقلت له: صف لي منطقه، فقال: كان (صلى الله عليه وآله) متواصل الأحزان، دائم الفكر، ليس له راحة، طويل السكت، لا يتكلم في غير حاجة، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، يتكلم بجوامع الكلم فصلا لا فضول فيه. ولا تقصير، دمثا (1)، ليس بالجافي ولا بالمهين، تعظم عنده النعمة، وإن دقت لا يذم منها شيئا، غير أنه كان لا يذم ذواقا ولا يمدحه.
ولا تغضبه الدنيا وما نالها (2) فإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شئ حتى ينتصر له، إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها، فضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وانشاح (3)، وإذا غضب غض طرفه. جل ضحكه التبسم، يفتر عن مثل حب الغمام.
قال الصدوق (رحمه الله): إلى هنا رواية القاسم بن المنيع عن إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد، والباقي رواية عبد الرحمان إلى آخره:
قال الحسن (عليه السلام): فكتمتها الحسين (عليه السلام) زمانا ثم حدثته به، فوجدته قد سبقني إليه، فسألته عنه فوجدته قد سأل أباه عن مدخل النبي (صلى الله عليه وآله) ومخرجه ومجلسه وشكله، فلم يدع منه شيئا.
قال الحسين (عليه السلام): سألت أبي (عليه السلام) عن مدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: كان دخوله في نفسه مأذونا في ذلك، فإذا آوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء:
جزء لله، وجزء لأهله، وجزء لنفسه. ثم جزأ جزءه بينه وبين الناس، فيرد ذلك بالخاصة على العامة ولا يدخر عنهم منه شيئا، وكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بأدبه، وقسمه على قدر فضلهم في الدين فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم. والأمة من مسألته عنهم وبأخبارهم بالذي ينبغي ويقول: ليبلغ الشاهد منكم الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يقدر على إبلاغ حاجته، فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا