الغدير - الشيخ الأميني - ج ٨ - الصفحة ٥٣
ولقد روي كما يأتي إن الذي استصحبه أبو بكر من المال يوم هاجر من المدينة وهو كل ما يملكه أربعة أو خمسة أو ستة آلاف درهم، فأين هذا من الألف ألف أوقية؟ والكراسي المذكورة وحللها المقومة بثلاثمائة وستين ألف دينار وما يتبعها؟ و أي نسبة بين صاحب تلك الثروة وبين ما لا يملك إلا هذه الدراهم المعدودة؟
وأي نسبة بينها وبين أيامه وأيام أبيه بمكة وبين ما كان يحترف به في المدينة من بيع الابراد والأقمشة على عنقه وعلى صاعده وحرفة ضئيلة يدور بها في الأزقة و الأسواق من دون أن يستقر في متجر أو حانوت.
أخرج ابن سعد من طريق عطاء قال: لما استخلف أبو بكر أصبح غاديا إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها فلقيه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة الجراح فقالا له: أين تريد يا خليفة رسول الله؟ قال: السوق. قالا: تصنع ماذا؟ وقد وليت أمر المسلمين.
قال: فمن أين أطعم عيالي؟ قالا له: انطلق حتى نفرض لك شيئا. فانطلق معهما ففرضوا له كل يوم شطر شاة وما كسوه في الرأس والبطن.
وروى من طريق عمير بن إسحاق: إن رجلا رأى على عنق أبي بكر الصديق عباءة فقال: ما هذا؟ هاتها أكفيكها. فقال: إليك عني لا تغرني أنت وابن الخطاب من عيالي.
وفي لفظ آخر لابن سعد أيضا: إن أبا بكر لما استخلف راح إلى السوق يحمل أبرادا له وقال: لا تغروني من عيالي.
وفي لفظ الحلبي. لما بويع أبو بكر بالخلافة أصبح رضي الله عنه على ساعده قماش وهو ذاهب إلى السوق فقال له عمر: أين تريد؟. الخ (1).
ثم متى كان إنفاقه لثروته الطائلة على النبي صلى الله عليه وآله وفي مناجحه ومصالحه، حتى كان به أمن الناس عليه بماله؟ وكيف أنفق ولم يره أحد ولا رواه أي ابن أنثى؟
ولم لم يذكر التاريخ موردا من موارد نفقاته؟ وقد حفظ له تقديم راحلة واحدة للنبي صلى الله عليه وآله مع رده إياها وأخذه ثمنها، كما حفظ لكل من أنفق شيئا في مهمات الرسول

(١) راجع طبقات ابن سعد ط ليدن ٣: ١٣٠: ١٣١، صفة الصفوة لابن الجوزي ١: ٩٧، السيرة الحلبية ٢: ٣٨٨.
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»