بل يحق على صاحب ألف ألف أوقية، وثلاثمائة وستين كرسيا محلى بالديباج أن ينادي على الطعام في دور ضيافته عشرة مثل أبي قحافة فضلا عن أن يكون أجير أناس آخرين بدراهم زهيدة، أو بشبع من الطوى.
وإن كان لأبي بكر عندئذ ما حسبوه من الثروة أو شطر منها لما احتاج إلى أن يبتاع للهجرة مع صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم راحلتين بثمانمائة درهم (1) ثم قدم إحديهما لرسول الله صلى الله عليه وآله فلم يقبلها إلا بالثمن، وقال صلى الله عليه وآله: إني لا أركب بعيرا ليس لي، قال أبو بكر: فهو لك يا رسول الله! بأبي أنت وأمي قال: لا، ولكن ما الثمن الذي ابتعتها به؟
قال: كذا وكذا قال: قد أخذتها بذلك (2).
ولم يكن رد رسول الله صلى الله عليه وآله إياها إلا لضعف حال أبي بكر من ناحية المال، أو إنه لم يرقه أن يكون لأحد عليه منة حتى لا يفتعل عليه بعد ملاوة من الدهر بقول من افتعل عليه: إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر. كما مر في ص 33 من هذا الجزء.
على إن للنظر في رواية الراحلتين مجالا واسعا بما رواه ابن الصباغ في الفصول المهمة والحلبي في السيرة 2: 44 من أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر أسماء بنت أبي بكر أن تأتي عليا وتخبر بموضعهما وتقول له: يستأجر لهما دليلا ويأتي معه بثلاث من الإبل بعد مضي ساعة من الليلة الآتية وهي الليلة الرابعة، فجاءت أسماء إلى علي كرم الله وجهه فأخبرته بذلك، فاستأجر لهما رجلا يقال له: الأريقط بن عبد الله الليثي، وأرسل معه بثلاث من الإبل، فجاء بهن إلى أسفل الجبل ليلا فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم رغاء الإبل نزل من الغار هو وأبو بكر فعرفاه.
وفيه صراحة بأنه لم تكن هناك راحلتين لأبي بكر معبأتين بركوبهما، وإنما جئ بالرواحل مستأجرة، وقد جمع الحلبي بين هذا وبين حديث الراحلتين بأن المراد باستيجار علي رضي الله عنه إعطاؤه الأجرة. وهذا الجمع يأباه لفظ الحديثين كما ترى.