الغدير - الشيخ الأميني - ج ٨ - الصفحة ٣٦٥
سئل عنه: وعاء ملئ علما ثم أوكى عليه؟ (1) أوليس من العجب العجاب إن من هو هكذا وهو في عهد النبوة لم يزل في مدينة الرسول يتلقى منه صلى الله عليه وآله كل إفاضاته، ويستقي من مستقى الوحي يكون مذهبه بعيدا عن مبادئ الاسلام وعما هو الحق الواضح، ويكون رأي كعب الأحبار اليهودي حديث العهد بالاسلام أو من بعده بعد لأي من عمر الدهر وقد نمى وترعرع وشب و شاب في عاصمة الفراعنة يوم غشيت الحقايق ظلمات بعضها فوق بعض قريبا منها و يكون صاحبه عارفا بها حاكما على مثل أبي ذر بما حكم، كأن الحقايق الإسلامية نصب عينه دون سيد غفار، أو معلقة على شحمة أذنه يسمع رنتها دون ذلك الصحابي العظيم؟.
هب أنا تنازلنا للجنة الحاكمة عن كل ما قلناه، ولكن هل يسعنا التغاضي عما جاء به الحفاظ وأئمة الحديث من طرق صحيحة عن نبي الاسلام صلى الله عليه وآله في إطراء الرجل والثناء عليه وإكباره وتقرير هديه وهداه مع عدم استثناء شئ من أطواره في أولياته أو أخرياته؟ وهو العارف بعلم النبوة بكل ما ينهض به أبو ذر بعده، فهلا بدر صلى الله عليه وآله إلى ردعه عما سينوء به؟ بدل أمره إياه بالصبر على ما ينتابه من جراء ما قام به ودعا إليه، بدل عده ما أصابه من المحن مما هو لله وفيه، بدل إخباره بكل ما يجري عليه من النفي والجلاء مقصورا على ذلك من غير ردع.
ونسائل اللجنة الحاكمة عن الذين استنكروا مذهب أبي ذر واستغربوه منه من الصحابة أهم من علية الصحابة أو من أذنابها؟ وبطبع الحال إنها ستجيبنا إنهم الحكم بن أبي العاص، وأخوه الحارث بن الحكم، ومروان بن الحكم، والوليد بن عقبة، ومعاوية بن أبي سفيان، وسعيد بن العاص، وعبد الله بن خالد، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وإن شئت قلت حثالة من بني أمية البعداء عن مبادئ الاسلام وعما هو الحق الواضح وهن حذا حذوهم في الإكباب علي حطام الدنيا واكتناز المال من غير حله ممن أقلقوا السلام، وجروا الويلات إلى خليفة الوقت، وحرموا ضعفاء الأمة عن حقوقهم، وولغوا في الدماء المحرمة وأثاروها حروبا دامية، وألقحوها فتنة شعواء، فلم تزل عداء محتدما

(1) راجع ص 311 من هذا الجزء.
(٣٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 360 361 362 363 364 365 366 367 368 369 370 ... » »»