المتسرعين الذين منيت بهم البلاد والعباد.
وأسلفنا لك أيضا قول عظماء الصحابة في أبي ذر وموافقتهم له على حقيقة رأيه، واستيائهم لما نكب به من جراء ذلك، وإجماع صلحائهم على إن ما جاء به كان رأيا صحيحا دينيا محضا مستفادا من الكتاب والسنة.
وعجيب استغرابها مذهب أبي ذر وهي لا تعرفه، وأعجب منه اعتذارها له ببعده عن مبادئ الاسلام وعما هو الحق الظاهر الواضح مع قولها باجتهاد أبي ذر، أي اجتهاد هذا من عيلم أخذ المبادئ من مشرعها يبعد حامله عن مبادئ الاسلام وعما هو الحق الظاهر الواضح؟ نعم: كم وكم عند القوم من المجتهدين البعداء آرائهم عن مبادئ الاسلام كابن ملجم قاتل الإمام أمير المؤمنين، وأبي الغادية قاتل عمار، وابني هند والنابغة قائدي الفئة الباغية، وأمثالهم؟ (1) لكن شتان بين هؤلاء وسيد غفار؟.
أوليس مما يضحك الثكلى ويبكي كل مسلم؟ أن يحسب إن مذهب أبي ذر بعيد عن مبادئ الاسلام وعما هو الحق الظاهر الواضح، وهو الذي لم يعبد الصنم قبل إسلامه وصلى سنين قبل المبعث الشريف موليا وجهه إلى الله وهو محسن، وهو ربع الاسلام ورابع المسلمين، وقد طوى جل سنيه على عهد النبوة في صحبة الرسول الأعظم ولم يفتأ متعلما منه، مصيخا إلى كل ما يدعو إليه ويهتف به، فتنتقش كل تلكم المثل العليا في نفسه كما تنتقش الصور في المرآة الصافية، بل تثبت فيها كما تثبت في العدسة اللاقطة.
كان صلى الله عليه وآله يدنيه دون الصحابة إذا حضر، ويتفقده إذا غاب، وكان شحيحا على دينه حريصا على العلم، وقد سال رسول الله صلى الله عليه وآله عن كل شئ حتى عن مس الحصى في الصلاة، وقد صب صلى الله عليه وآله في صدره ما صبه جبريل وميكائيل في صدره صلى الله عليه وآله، وعرفه صلى الله عليه وآله لأمته بأنه شبيه عيسى هديا وسمتا ونسكا وبرا وصدقا و خلقا وخلقا (2).
وما ظنك برجل قال فيه باب مدينة علم النبي مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لما