قلت: كان من حقهم على الأمة ولا سيما على أهل الحول والطول منها أن لا يفاجأوا (أبان رزيتهم الكارثة) بما فوجئوا به من الاستئثار بمكانتهم في الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله والاستغناء عنهم حتى في المشورة مع شدة الوطأة عليهم في أمر البيعة والتنمر لهم في فيئهم وخمسهم وإرثهم ونحلتهم وسوقهم مع سائر الرعايا بعصا واحدة والجرح لما يندمل والنبي لما يقبر.
وكان المستولون على الأمة يومئذ ومقوية سلطانهم أبرموا أمرهم على وجه لم يبقوا لأحد من الأمة أن يخالف إلا أن تشق عصا المسلمين وبهذا آمنوا من مقاومة علي وأوليائه وتفصيل ذلك كله في كتاب المراجعات فلا يفوتن أهل البحث والتدقيق (130).
وكان من مبادئ القائمين بالأمر إذ ذاك شدة الوطأة في تنفيذ الأحكام من غير فرق بين القريب والبعيد والشريف والدنئ وإيثار بيت المال بالوفر والثراء والمساواة بين أهل السوابق وغيرهم في الأحكام.
وقد أعانهم على تنفيذ مبادئهم هذه بعدهم عن الطمع والاستكثار من حطام الدنيا وتقشفهم في الحياة واستغناؤهم بالبلغة لهم ولمن إليهم وبهذا أرضوا العامة فاستتب لهم الأمر. وحين جد الجد في محاكمة الزهراء كانت بضعة النبي لديهم كسائر النساء لا ينزهن عن الافتراء (1).