ثم آمن به قوم من عشيرته، واجتمعت قريش إلى دار الندوة، وكتبوا الصحيفة على بني هاشم، ألا يكلموهم، ولا يبايعوهم، أو يسلموا إليهم رسول الله ليقتلوه، ثم أخرجوهم من بيوتهم حتى أنزلوا شعب أبي طالب، ووضعوا عليهم الحرس، فمكثوا بذلك ثلاث سنين.
ثم بعث الله الأرضة على الصحيفة فأكلتها ولم يزل صلى الله عليه وآله كذلك، يريهم الآيات، ويخبرهم بالمغيبات، وأنزل الله تعالى عليه ﴿ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه﴾ (1) ومعناه لا تعجل بقراءة القرآن عليهم حتى أنزل عليك التفسير في أوقاته كما أنزل إليك التلاوة.
ثم أتاه جبرئيل عليه السلام ليلا، وهو بالأبطح، ومعه البراق، وهو أصغر من البغل وأكبر من الحمار، فركبه رسول الله صلى الله عليه وآله، وأمسك جبرئيل عليه السلام بركابه، ومضى إلى بيت المقدس، ثم إلى السماء، فتلقته الملائكة، فسلمت عليه، وتطايرت بين يديه، حتى انتهى إلى السماء السابعة.
قال عكرمة: لما اجتمعت قريش على إدخال بني هاشم وبني عبد المطلب شعب أبي طالب، كتبوا بينهم صحيفة، فدخل الشعب مؤمن بني هاشم وكافرهم، ومؤمن بني عبد المطلب وكافرهم، ما خلا أبا لهب، وسفيان بن الحرث، فبقي القوم في الشعب ثلاث سنين، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أخذ مضجعه، ونامت العيون، جاءه أبو طالب فأنهضه من مضجعه، وأنا عليا مضجعه، فقال علي: يا أبتاه إني مقتول ذات ليلة فقال أبو طالب:
إصبرن يا علي، فالصبر أحجى * كل حي مصيره لشعوب قد بذلناك، والبلاء عسير * لفداء النجيب وابن النجيب لفداء الأغر ذي الحسب الثاقب * والباع والفناء الرحيب إن رمتك المنون بالنبل فاصبر * فمصيب منها وغير مصيب