تعمر المساجد، كأني بك قد قدت (1) الأجناد والخيل الجياد، وقد تبعك العرب والعجم طوعا وكرها، وكأني باللات والعزى وقد كسرتهما، وقد صار البيت العتيق لا يملكه أحد غيرك، تضع مفاتيحه حيث تريد، كم من بطل من قريش والعرب تصرعه! معك مفاتيح الجنان والنيران، معك الذبح الأكبر وهلاك الأصنام، أنت الذي لا تقوم الساعة حتى تدخل الملوك كلها في دينك صاغرة قمئة (2)، فلم يزل يقبل يديه مرة ورجليه مرة ويقول: لان أدركت زمانك لأضربن بين يديك بالسيف ضرب الزند (3) بالزند، أنت سيد ولد آدم، وسيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين، والله لقد ضحكت الأرض يوم ولدت، فهي ضاحكة إلى يوم القيمة فرحا بك، والله لقد بكت البيع والأصنام والشياطين، فهي باكية إلى يوم القيمة، أنت دعوة إبراهيم وبشرى عيسى، أنت المقدس المطهر من أنجاس الجاهلية.
ثم التفت إلى أبي طالب فقال: ما يكون (4) هذا الغلام منك فإني أراك لا تفارقه؟ فقال أبو طالب: هو ابني، فقال: ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون والده الذي ولده حيا ولا أمه، فقال: إنه ابن أخي، وقد مات أبوه وأمه حاملة به، وماتت أمه وهو ابن ست سنين فقال: صدقت هكذا هو، ولكن أرى لك أن ترده إلى بلده عن هذا الوجه، فإنه ما بقي على ظهر الأرض يهودي ولا نصراني ولا صاحب كتاب إلا وقد علم بولادة هذا الغلام ولئن رأوه وعرفوا منه ما قد عرفت أنا منه ليبغنه شرا وأكثر ذلك هؤلاء اليهود.
فقال أبو طالب: ولم ذلك؟ قال: لأنه كاين لابن أخيك هذا النبوة والرسالة، ويأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى وعيسى، فقال أبو