أسعد لمصعب: إن خالي سعد بن معاذ (1) من رؤساء الأوس، وهو رجل عاقل شريف مطاع في بني عمرو بن عوف، فإن دخل في هذا الامر ثم لنا أمرنا، فهلم نأتي محلتهم، فجاء مصعب مع أسعد إلى محلة سعد بن معاذ، فقعد على بئر من آبارهم، واجتمع إليه قوم من أحداثهم، وهو يقرأ عليهم القرآن.
فبلغ ذلك سعد بن معاذ، فقال لأسيد بن حضير (2) - وكان من أشرافهم -: بلغني أن أبا أمامة أسعد بن زرارة قد جاء إلى محلتنا مع هذا القرشي، يفسد شباننا، فأته وانهه عن ذلك.
فجاء أسيد بن حضير، فنظر إليه أسعد، فقال لمصعب: إن هذا رجل شريف، فإن دخل في هذا الامر رجوت أن يتم أمرنا، فاصدق الله فيه.
فلما قرب أسيد منهم قال: يا أبا أمامة يقول لك خالك: لا تأتنا في نادينا، ولا تفسد شبابنا، واحذر الأوس على نفسك، فقال مصعب:
أو تجلس، فنعرض عليك أمرا، فإن أحببته دخلت فيه، وإن كرهته نحينا عنك ما تكره؟ فجلس فقرأ عليه سورة من القرآن، فقال: كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الامر؟ قال: نغتسل، ونلبس ثوبين طاهرين، ونشهد الشهادتين، ونصلي ركعتين، فرمى بنفسه مع ثيابه في البئر، ثم خرج، وعصر ثوبه.
ثم قال: اعرض علي فعرض عليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فقالها، ثم صلى ركعتين، ثم قال لأسعد: يا أبا أمامة، أنا أبعث إليك الآن خالك، واحتال عليه في أن يجيبك، فرجع أسيد إلى سعد بن معاذ، فلما نظر إليه سعد قال: أقسم أن أسيدا قد رجع إلينا بغير الوجه الذي ذهب من عندنا.