فتح الأبواب - السيد ابن طاووس - الصفحة ١٦٨
الأوقات، والله جل جلاله مطلع عليه بإحاطة العلم به، وبالاحسان إليه، ولله جل جلاله حرمة باهرة، وهيبة قاهرة، وجلالة ظاهرة، ونعم متواترة، يستحق من عبده أن يعرفها، ويعبده بالقيام بحقها، لكونه جل جلاله أهلا للعبادة بذلك، فلا ينفك العبد من تكليفه بأدب العبودية في سائر المواقف والمسالك (1)، فأي حركة أو سكون يخلو فيها العبد من اطلاع الله عز وجل عليه، ومن إحسانه إليه، ومن لزوم علم العبد أنه بين يدي مولاه، وأنه يراه، حتى يكون متصرفا فيها بإباحة مطلقة تصرف الدواب، وتكون خالية من التكليف بشئ من الآداب، هذا (2) لا يقبله من نظر بعين الصواب، واعتمد على الله عز وجل في صدق الألباب، فإن الانسان يعلم من نفسه أن على العبد أدبا في العبودية متى كان سيده يراه لا يجوز أن ينفك العبد منه، أما أدبا قليلا أو كثيرا، بخلاف حال العبد إذا كان سيده لا يراه، وهذا واضح لا يخفى على من عرف معناه.
جواب آخر على سبيل الجملة: إعلم أنني عرفت أن كل ما في الوجود مما يسميه الناس مباحات لم يزل ملكا لله تعالى جل جلاله، فلما أطلقه للمكلفين وأجراه عليهم على جهة الاحسان إليهم، وكان إطلاقه وإجراؤه مستمرا مع بقائهم، وجب عليهم استمرار أدب الاعتراف (3) بحق هذه النعمة، والقيام بشكرها، فإذا لم يكن للمكلف انفكاك من استمرار هذه النعم، فكيف صح أن يكون نعمه منها مستمرة في وقت من الأوقات خالية من استمرار أدب الاعتراف بها وشكرها، حتى نصير تلك النعمة كما يقولون خالية من صفة زائدة على حسنها، مثل إباحتها لغير المكلفين وللدواب، إن القول بذلك بعيد من الصواب، وهذا واضح لأولي الألباب، ولقد وجدت في

(1) في " د ": والمسائل.
(2) في " م " زيادة: من.
(3) في " م ": استمرار الأدب، والاعتراف.
(١٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 162 163 164 165 167 168 169 170 171 172 173 ... » »»