الذي قد وسمه (1) بكتاب المحاسن: أما بعد فإن خير الأمور أصلحها، وأحمدها أنجحها (2)، وأسلمها أقومها، وأشدها (3) أعمها خيرا، وأفضلها أدومها نفعا. وإن قطب المحاسن الدين، وعماد الدين اليقين، والقول الرضي، والعمل الزكي، ولم نجد في وثيقة المعقول، وحقيقة المحصول (4) عند المناقشة، والمباحثة لذي المقايسة والموازنة، خصلة أجمع لفضايل الدين والدنيا، ولا أشد تصفية لاقذاء العقل، ولا أقمع لخواطر الجهل، ولا ادعى إلى اقتناء كل محمود، ونفي كل مذموم من العلم بالدين، وكيف لا يكون ذلك كذلك ما من الله عز وجل سببه، ورسول الله صلى الله عليه وآله مستودعه ومعدنه، وأولوا النهى (5) تراجمته وحملته، وما ظنك بشئ الصدق خلته، والذكاء والفهم آلته، والتوفيق والحلم (6) قريحته (7) واللين والتواضع نتيجته، وهو الشئ الذي لا يستوحش معه صاحبه إلى شئ ولا يأنس العاقل مع نبذه بشئ، ولا يستخلف منه عوضا يوازيه (8)، ولا يعتاض منه بدلا يدانيه، ولا تحول فضيلته، ولا تزول منفعته، وأنى لك بكنز (9) باق على الإنفاق، لا يقدح فيه يد الزمان، ولا تكلمه غوائل الحدثان، وأقل خصاله الثناء له في العاجل، مع الفوز برضوان الله في الآجل، وأشرف بما صاحبه على كل حال مقبول، وقوله وفعله محتمل محمول، وسببه أقرب من الرحم الماسة، وقوله أصدق وأوثق من التجربة، وإدراك الحاسة، وهو نجوة من تسليط التهم، وتحاذير الندم، وكفاك من كريم مناقبه، ورفيع مراتبه، أن العالم بما أدى من صدق قوله شريك لكل عامل به في فعله، طوال المسند (10)، وهو به ناظر، ناطق، صامت، حاضر، غائب، حي، ميت، ووادع (11) نصب.
(٦٤١)