شئ منه بل ينظر في كل شئ منه نظر المستفتح المبتدي، مطرحا للأهواء المزينة للباطل بزينة الحق، وحب المنشي والتقليد، فداؤهما لا يحسن علاجه جالينوس، وتعظيم الكبراء وتقليد الأسلاف والأنس بما لا يعرف الإنسان غيره (1) يحتاج إلى علاج شديد، وقد قال الخليل بن أحمد العروضي رحمه الله، الإنسان لا يعرف خطأ معلمه (2) حتى يجالس غيره، فالعاقل يكون غرضه الوصول إلى الحق من طريقه، والظفر به من وجهه وتحقيقه، ولا يكون غرضه نصرة الرجال، فإن الذي ينحون هذا النحو، قد خسروا ما ربحه المقلد من الراحة والدعة، ولم يسلموا من هجنة التقليد، وفقد الثقة بهم، فهم لذلك أسوء حالا من المصرح بالتقليد، وبئست الحال حال من أهمل دينه، وشغل معظم دهره في نصرة غيره، لا في طلب الحق ومعرفته، ولا ينبغي لمن استدرك على من سلف، وسبق إلى بعض الأشياء، أن يرى لنفسه الفضل عليهم، لأنهم إنما زلوا حيث زلوا، لأجل أنهم كدوا أفكارهم، وشغلوا زمانهم في غيره، ثم صاروا إلى الشئ الذي زلوا فيه، بقلوب قد كلت، ونفوس قد سئمت، وأوقات ضيقة، ومن يأت بعدهم فقد استفاد منهم ما استخرجوه، ووقف على ما أظهروه، من غير كدورة كلفة (3)، وحصلت (4) له، بذلك رياضة، واكتسب قوة، فليس يعجب إذا صار إلى حيث زل فيه من تقدم، وهو من موفور القوى (5)، متسع الزمان، لم يلحقه ملل ولا خامره ضجر أن يلحظ ما لم يلحظوه، ويتأمل ما لم يتأملوه، ولذلك زاد المتأخرون على المتقدمين، ولهذا كثرت العلوم بكثرة الرجال، واتصال الزمان، وامتداد الآجال، فربما لم يشبع القول المتقدم في المسألة (6) على ما أورد المتأخر (7)، وإن
(٦٥٢)