كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ٢٢٣
المضاد لما سمعت من أقواله فلما افاق من غشيته لم أملك الصبر دون سؤاله من امره وسبب صنعه بنفسه مع تجهيله من قبل لفاعله وعن وجه استعادته من الشعر ما لم تجر عادتهم باستعادة مثله فقال لي لست اجهل ما ذكرت ولي عذر واضح فيما صنعت أعلمك ان أبي كان كاتبا وكان بي برا وعلى شفيقا فسخط السلطان عليه فقتله فخرجت إلى الصحراء لشدة ما لحقني من الحزن عليه فوجدته ملقى والكلاب ينهشون لحمه فلما سمعت المغني يقول فطافت بذاك القاع ولهى * فصادفت سباع الفلا ينهشنه أيما نهش ذكرت ما لحق أبي وتصور شخصه بين عيني وتجدد حزنه علي ففعلت الذي رأيت بنفسي فندمت حين اذن على سوء ظني به وتغممت عما لحقه واتعظت بقصته وعلمت ان الله تعالى لطف لي بمشاهدة هذه الحال والوقوف عليهم لتكون لي دلالة على الصواب في هذه المسألة وأشباهها وانه محرم على كل عاقل لبيب ان يعجل بتجهيل من ثبت عنده عقله وبان له فضله إذا ظهر منه فعل لم يعرف فيه سببه ولا علم مراده منه وغرضه وورود مثل هذه الأمور من العقلاء كثير وهي حجة على من أظهر التعجب مما ورد به الشرع من التكليف وجعل عدم علمه بأسباب ذلك دلالة على فساد تعقله الضعيف على أن الاخبار قد نقلت عن الأئمة عليهم السلام بذكر أسباب لهذه العبادات تسمى عللا على المجاز والاتساع وجمع في ذلك علي بن حاتم القزويني رحمه الله كتابا سماه كتاب العلل وانا أذكر طرفا مما رواه في الحج ومناسكه وأسبابه وعلله قال إن الحج هو الوفادة إلى الله عز وجل وفيه منافع كثيرة للدنيا والآخرة من الرغبة إلى الله تعالى والرهبة منه والتوبة إليه من معاصيه وطلب الثواب على تحمل المشاق فيما يرضيه ومنفعة أهل الشرق والغرب ومن في البر والبحر من تاجر وجالب ومشتر وبائع ونحو ذلك من الفوائد قال الله تعالى * (ليشهدوا منافع لهم) * والتلبية هي جواب نداء إبراهيم عليه السلام لما اذن في الناس بالحج وروى أن أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن الوقوف بالحل يعنى الوقوف بالعرفات ولو لم يكن في الحرم فقال لأن الكعبة بيته والحرم داره فلما قصدوه وافدين وقفهم بالباب يتضرعون إليه قيل له فالمشعر الحرام
(٢٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 ... » »»