كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ٢١٧
عن الأصلح له واقتصر به على نعيم غيره أفضل منه وذلك لا يقع من عالم حكيم جواد غير بخيل فوجب في الحكمة خلقهم في الدنيا وعمومهم بالتكليف الذي فيه التعريض للامر الجليل ليستحق الطائعون ما سبق لهم في المعلوم وليس يقع المخالفة بعد التبيين والتعريف وازاحة العلة في التكليف إلا من جان على نفسه غير ناظر في عاقبة امره (وجواب ثان) ويقال لهم لو خلق الله تعالى خلقه في الجنة لم يخل امرهم من حالين أما ان يبيحهم الجهل به وكفر نعمته فليس بحكيم من أباح ذلك وأما ان يأمرهم بمعرفته وشكر نعمته والحكمة توجب ذلك فلا بد عند الامر بالشئ من النهي عن ضده ثم لابد من ترغيب فيما يأمر به ووعد جميل على فعله وترهيب فيما نهى عنه ووعيد على فعله وإذا وجب الأمر والنهي والترغيب والترهيب والوعد والوعيد فقد حصلت حالهم كحالهم في الدنيا ووجب ان يكون للوعيد انجاز فينتقلوا إلى دار الجزاء فقد انتهى الامر إلى ما فعله سبحانه مما لا يقتضي الحكمة غيره فان قالوا أليس الطائعون لابد من مصيرهم إلى الجنة فالا كانت حالهم في الابتداء كحالهم في الثواب والجزاء من حصول المعرفة والشكر قلنا لهم بين الوقتين فرق وذلك انهم إذا صاروا إلى الجنة بعد كونهم في الدنيا فقد تقدم لهم الأمر والنهي وذاقوا البؤس والآلام وعرفوا قدر النعمة وشاهدوا وقوع العقاب والثواب بأهلها فكان ذلك يقوم لهم في الترغيب في المعرفة والشكر والانزجار عن تركهما مقام الأمر والنهي والوعد والوعيد ولو ابتدأهم في الجنة لم يكونوا امروا ولا نهوا ولا وعدوا ولا توعدوا ولا فعل بهم ما يقوم مقام ذلك فكانوا بمنزلة من أبيح له الجهل والكفر تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ولا يجوز ان يخلق فيهم المعرفة به ابتداء لأن الغائب لا يعرف بالضرورة إلا أن يحضر كما أن الحاضر لا يعلم بالاستدلال إلا أن يغيب ولو جاز ان يخلقهم فيعرفون الغائب من غير استدلال لجاز ان يقدرهم على ذلك وهذا محال ولا يجوز أيضا ان يخلق الشكر فيهم لأنه لو خلقه لهم لم يكونوا هم الشاكرين بل يكون هو الشاكر لنفسه لأن الشاكر من فعل الشكر لا من فعل فيه كما أن الظالم من فعل الظلم لا من فعل فيه (مسألة أخرى للملاحدة) قال الملحدون كيف يجوز من الحكيم الرحيم ان يخلق خلقا ثم يكلفهم وهو يعلم أنهم يعصون فيصيرون إلى العذاب الأليم و
(٢١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 ... » »»