كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ١٨٢
الجزء الثاني من كتاب كنز الفوائد بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وآله الطاهرين (الأدلة على أن الصانع واحد) وبعد من الأدلة على أن صانع العالم واحد أما الذي يعتمده أكثر المتكلمين فدليل التمانع وهو انه لو كان لصانع العالم ثان لوجب ان يكون قديما وإذا كان كذلك ماثله وإذا ماثله صح ان يريد أحدهما ضد ما يريده الأخر فيقع بينهما التمانع كإرادة أحدهما ان يحرك جسما في وقت و أراد الأخر ان يسكنه فيه وإذا صح ذلك لم يخل الامر من ثلاث خصال أما ان يصح وقوع مراديهما من غير تضاد ولا تمانع بينهما فيكون الجسم في وقت واحد ساكنا ومتحركا وهذا محال وأما ان لا يصح وقوعهما ولا شئ منهما فهذا هو التمانع المبطل لوقوع مراديهما وهو دليل على ضعفهما وأما ان يقع مراد أحدهما دون الأخر فهو دليل على أن من لم يقع مراده ممنوع ضعيف خارج من أن يكون قديما لأن من صفات القديم ان يكون قادرا لنفسه لا يتعذر عليه فعل ارادته فان قيل لم قلتم انه إن كان معه ثان يصح ان يريد ضد مراده قلنا لأن من حق القادر ان يصح منه الشئ وضده لا سيما إذا كان قادرا لنفسه فإذا كانا قادرين لأنفسهما صح ما ذكر بينهما فإن قيل إن التمانع لا يقع منهما لأنهما عالمان فكل واحد منهما يعلم أن مراد صاحبه حكمة فلا يريد ضده قلنا انما الكلام مبني على صحة ذلك دون كونه فإن لم يكن واحد منهما يريد ان يمنع صاحبه فكونه قادرا يعطي انه ممكن منه وان لم يفعل وتصح ارادته له ولا تستحيل منه ويحصل من ذلك تقدير التمانع بينهما وجوازه فإن قيل لم ذكرتم انهما إذا لم يقع مرادهما جميعا ان ذلك لضعفهما قلنا لتساوي مقدورهما و عند تساويه لا يكون فعل أحدهما أحق بالوجود من فعل الأخر وفي ذلك ابطال افعالهما وهو معنى قول الله عز وجل * (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) * الأنبياء فان قيل فلم قلتم ان وجود مراد أحدهما دليل على ضعف الأخر قلنا لما في ذلك من رجحانه في قدرته على صاحبه فلو لا انه أقدر منه لما وقع مراده دونه وهذا يوضح عن ضعف من لم يقع مراده (دليل آخر) وقد احتج أصحابنا بدليل التمانع على وجه آخر فقالوا انهما لو كانا اثنين كان لا يخلو أحدهما من أن يكون يقدر على أن يكتم صاحبه شيئا أو لا يقدر على ذلك فإن كان يقدر فصاحبه يجوز عليه الجهل ومن جاز عليه الجهل فليس باله قديم وإن كان لا يقدر فهو نفسه عاجز والعاجز ليس باله قديم (دليل آخر) ومما يدل على أن صانع العالم واحد انه لو كان معه ثان كان لا يخلو امرهما في فعلهما للعالم من أحد وجهين إما ان يكون كل واحد منهما فعل جميعه حتى يكون الذي فعله
(١٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 ... » »»