خاتمة المستدرك - الميرزا النوري - ج ٢ - الصفحة ٥٢
يبق للجهل ذاهبة ولا جائية، وتم بدره فأذهب دياجير الظلمات بأنوار علمه الساطعة الحامية ث خاض في بحار العلوم فأخرج منها درا " ومرجانا "، وسبح في دأماء (1)، الفنون فاستنبط منها وسيلا (2) وبرهانا "، أعظم الأفاضل شأنا وأنورهم برهانا ".
كان له تحرير فائق، وتعبير عن المطالب رائق، وإحاطة تامة في أنواع العلوم، وحياطة شاملة لأجناس المعقول والمفهوم، وتحقيقات متينة لغوامض الدقائق، وتدقيقات رزينة في اكتناه الحقائق، له رحمه الله من كل فن سهام عالية، وله من كل غصن ثمار يانعة، قد حقق كل مسألة من مسائل العلوم بما لا مزيد عليه، واستنبط في مقالة الحق بحيث يظهر لكل أحد ماله وما عليه.
وبالجملة لا مماثل له ولا معادل، ومن أراد أن يصف فضله بكنهه فهو عن الحق عادل.
كان رحمه الله في أوائل أمره معتزلا " عن المناصب، وكان منتهى مطلبه تحقيق المآرب، فجاءه القضاء بولاية القضاء، فولاه برضاء كان أو عدم رضاء، فباشره مراعيا " للكتاب والسنة، والطرق المروية عن أئمة الأمة، فأتعب نفسه وراضها كمال الرياضة، وجاهدها لله غايته، غير مكترث عن عروض المضاضة. وبالجملة بالغ في إبطال الباطل وإحقاق الحق، بحيث يرضى عنه مزهق الباطل ومحق الحق.
روى أنه - رحمه الله - لما أراد سفر الحج ذهب إلى الجامع ورقى إلى ذروة المنبر، وكان من جملة ما تكلم به: أيها الناس! من حكمت (على أحد) (3) ولا يرضى مني فلا يرضى، فإني ما حكمت بشئ إلا وقد قطعت عليه وعلمت يقينا "

(1) في الحجرية والأصل: وسبح في دماء. وفي المصدر: وسبح في وعاء. ولا معنى لهما، والصحيح المثبت، ومعناه: سبح في بحار الفنون.
(2) أي: وسيلة.
(3) كذا، ولعلها - كما استظهرها المصنف قدس سره -: عليه.
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»