خاتمة المستدرك - الميرزا النوري - ج ٢ - الصفحة ٤٦
وحدثني سلمه الله، عن العبد الصالح الزاهد الورع العابد الحاج محمد الخزعلي - وكان ممن أدرك السيد - قال: كان العالم الجليل السيد جواد العاملي - صاحب مفتاح الكرامة - يتعشى لبلة إذا طارق طرق الباب عليه عرف أنه خادم السيد بحر العلوم، فقام إلى الباب عجلا "، فقال له: إن السيد قد وضع بين يديه عشاؤه وهو ينتظرك، فذهب إليه عجلا "، فلما لاح للسيد قال له السيد: أما تخاف الله؟ أما تراقبه؟ أما تستحي منه؟! فقال. ما الذي حدث؟!
فقال له: إن رجلا " من إخوانك كان يأخذ من البقال قرضا " لعياله كل يوم وليلة قسبا " (1) ليس يجد غير ذلك، فلهم سبعة أيام لم يذوقوا الحنطة والأرز، ولا أكلوا غير القسب، وفي هذا اليوم ذهب ليأخذ قسبا " لعشائهم، فقال له البقال: بلغ دينك كذا وكذا، فاستحيى من البقال ولم يأخذ منه شيئا " وقد بات هو وعياله بغير عشاء، وأنت تتنعم وتأكل، وهو ممن يصل إلى دارك وتعرفه وهو فلان.
فقال: والله مالي علم بحاله.
فقال السيد: لو علمت بحاله وتعشيت ولم تلتفت إليه لكنت يهوديا " أو كافرا "، وإنما أغضبني عليك عدم تجسسك عن إخوانك وعدم علمك بأحوالهم، فخذ هذه الصينية يحملها لك خادمي يسلمها إليك عند باب داره، وقل له: قد أحببت أن أتعشى معك الليلة، وضع هذه الصرة تحت فراشه أو بوربائه أو حصيره وابق له الصينية فلا ترجعها - وكانت كبيرة فيها عشاء وعليها من اللحم والمطبوخ النفيس ما هو مأكل أهل التنعم والرفاهية - وقال السيد له:
اعلم أني لا أتعشى حتى ترجع إلى فتخبرني أنه قد تعشى وشبع.
فذهب السيد جواد ومعه الخادم حتى وصلوا إلى دار المؤمن، فأخذ من

(1) القسب: الثمر اليابس. وجاء في هامش الحجري: أنه نوع من التمر يسمى بالزاهدي. انظر (الصحاح - قسب - 1: 201).
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»