شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٩
الأصول من يحترز عن الفروع والخطأ في الفروع سهل، بخلاف الأصول ومن قدر على شرح أحاديث الأصول وبيان الأدلة فيها وتأويل ما يخالف أصول المذهب ببيان شاف فهو قادر على حل مسائل الفقه وفهم معاني أخبار الفروع بطريق أولى، والذي يظهر من بعض عبارات الشارح أن علم الفروع عنده لم يكن بمثابة المعارف في الشرف والأهمية ولذا لم ينظر إليه إلا بالقصد الثاني وصرح بذلك في بعض كلامه قال: إن اسم الفقه في العصر الأول إنما كان يطلق على علم الآخرة ومعرفة دقائق آفات النفوس ومفسدات الأعمال وقوة الإحاطة بحقارة الدنيا وشدة التطلع في نعيم الآخرة واستيلاء الخوف على القلب ويدل عليه قوله تعالى (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) فقد جعل العلة الغائية من الفقه الانذار والتخويف ومعلوم أن ذلك لا يترتب إلا على هذه المعارف لا على معرفة فروع الطلاق والمساقاة والسلم وأمثال ذلك.
ثم إن الشارح - رحمه الله - كان راغبا في التصوف شديد التمسك به لكن تصوفه وتصوف أمثاله من علماء ذلك العصر كان خاليا من البدع والأهواء وكانوا مرتاضين متشرعين عاملين في السلوك والرياضة بما يوافق الشرع المبين البتة، قال في بعض كلامه: فيه أي في الحديث دلالة على أنه لا بد للناس من أستاذ مرشد عالم ليحصل به نجاتهم. وفي كلام آخر له: " وبين أهل السلوك خلاف في أنه هل يضطر السالك إلى الشيخ العارف أم لا، وأكثرهم يرى وجوبه ويفهم ذلك من كلامه (عليه السلام) وبه يتمسك الموجبون له ويؤيده أن طريق المريد مع شيخه العارف بالله أقرب إلى الهداية وبدونه أقرب إلى الضلالة فلذلك قال (عليه السلام) " فنجا " أي النجاة متعلقة به ودلائل الفريقين مذكورة في مصباح العارفين " انتهى ثم إن الشارح مع تبحره في الحديث والنقليات كان عارفا بالعلوم المتداولة في عصره كالعلوم الرياضية والطب والكلام والحكمة الإلهية والمفهوم من تحقيقاته أنه كان خبيرا متضلعا بها وكان في الأكثر معتقدا لأصول صدر المتألهين والفيض - قدس سرهما - وكان يعترف بتشكيك الوجود وأنه ذو مراتب وأن وجود الممكن بالنسبة إلى الواجب وجود ربطي تعلقي وكان معتقدا للحركة الجوهرية والأجسام المثالية وبتجسم الأعمال في الآخرة وأنها نشأة أخرى، وكان معتقدا بتجرد النفوس وإمكان إتحادها بالعقول المجردة وغير ذلك من أصول صدر المتألهين، ولم يكن مقلدا يقبل مجازفات قدماء المشائين التي لا دليل لهم عليها على ما هو دأب بعض المتفلسفة كحصر العقول في العشرة وأن الله تعالى خلق كل عقل مع فلك إلى العقل العاشر، ولم يكن ينكر وجود العقول الجوهرية ولكن كان ينكر ما يوهم ظاهر كلامهم أن الله تعالى فوض أمر العالم إلى العقول ووساطة العقول عند أهل الحق نظير سببية الشمس والريح والماء في النبات، وبالجملة كانت فلسفته حكمة
(٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 ... » »»
الفهرست