اظهر الوجهين ونسبه شيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين إلى الأصحاب. وكذا اختلفت أقوالهم في الكبائر وسيأتي الكلام فيها ان شاء الله تعالى في المقام الثالث مفصلا مشروحا. وفسروا المروة باتباع محاسن العادات واجتناب مساويها وما تنفر عنه النفس من المباحات ويؤذن بدناءة النفس وخستها كالأكل في الأسواق والمجامع والبول في الشوارع وقت سلوك الناس وكشف الرأس في المجامع وتقبيل زوجته وأمته في المحاضر ولبس الفقيه لباس الجندي والمضايقة في اليسير الذي لا يناسب حاله ونقل الماء والأطعمة بنفسه ممن ليس أهلا لذلك إذا كان عن شح وظنة ونحو ذلك، ويختلف ذلك بحسب اختلاف الاشخاص والاعصار والأمصار والمقامات.
الحدائق الناضرة ج 10 ص 12 * تعريف العدالة: وقع الكلام في أن العدالة المعتبرة في جملة من الموارد كالتقليد والشهادة والقضاء والطلاق وإمام الجماعة وغيرها ما حقيقتها؟
واختلفت كلماتهم في بيانها إلى أقوال:
منها: ما نسب إلى المشهور بين المتأخرين من أن العدالة ملكة أو هيئة راسخة، أو حالة أو كيفية باعثة نحو الإطاعة بالاتيان بالواجبات وترك المعاصي والمحرمات ومنها: أن العدالة هي الاتيان بالاعمال الخارجية من الواجبات واجتناب المحرمات الناشي عن الملكة النفسانية فهي - على ذلك - أمر عملي، وليست من الصفات النفسانية، وإن كان ذلك العمل مسببا عن الصفة النفسانية وباقتضائها، فهذا التعريف ناظر إلى المسبب والمقتضى، كما أن التعريف السابق ناظر إلى السبب والمقتضي، بمعنى أن العدالة - على التعريف المتقدم - هو السبب والمقتضي للعمل.
وعلى هذا التعريف هو العمل المسبب والمقتضى للملكة النفسانية التي هي السبب هذا ويمكن أن يقال: التعريفان راجعان إلى شيء واحد لان الملكة بما هي ليست هي العدالة التي تعتبر في جملة من الموارد في الشريعة المقدسة. بل المعتبرة هي الملكة المتلبسة بالعمل اي المقترنة بالاتيان بالواجبات وترك المحرمات وذلك لان ارتكاب المعصية في الخارج - غلبة؟؟ الهوى على الملكة - يستتبع الفسق من غير نكير. وبناء على أن العدالة هي الملكة بما هي يلزم اجتماع العدالة والفسق في شخص واحد في زمان واحد.
ومن هنا يصح أن يقال: العدالة هي الاعمال الخارجية الناشئة عن الملكة النفسانية فالمراد بالتعريفين شيء واحد وان كان أحدهما ناظرا إلى بيان اعتبار التلبس بالعمل دون الاخر. ومنها: أن العدالة نفس الاعمال الخارجية من فعل الواجبات وترك المحرمات من دون اعتبار اقترانها بالملكة أو صدورها عنها فالعدالة هي الاستقامة - عملا - في جادة الشرع وعدم الجور والانحراف عنها يمينا ولا شمالا.
ومنها: أن العدالة هي الاسلام وعدم ظهور الفسق في الخارج، وعلى ذلك لابد من الحكم بعدالة أكثر المسلمين، وان لم نعاشرهم بوجه، وذلك لاسلامهم وعدم ظهور الفسق منهم عندنا.
ومنها: أن العدالة هي حسن الظاهر فحسب، وعلى ذلك لا يمكننا الحكم بعدالة أكثر المسلمين كما على التعريف المتقدم لتوقفه على إحراز حسن الظاهر المتوقف على المعاشرة في الجملة ولو برؤيته آتيا بالواجبات وغير مرتكب للمعاصي مرتين أو ثلاثا أو أكثر هذا.
والصحيح أن حسن الظاهر، والاسلام مع عدم ظهور الفسق معرفان للعدالة، لا أنهما العدالة نفسها، لامكان أن يكون الفاسق - في أعلى مراتب الفسق باطنا - متحفظا على جاهه ومقامه لدى الناس فهو مع أنه حسن الظاهر محكوم بالفسق - في الواقع - لارتكابه المعاصي، ولا مساغ للحكم بعدالة مثله بوجه لقوله عز من قائل: أولئك هم الفاسقون مشيرا إلى مرتكبي المعاصي ولو في الباطن. وكذلك الحال في الاسلام وعدم ظهور الفسق، فان هذا العنوان بنفسه يدلنا على أن الفسق امر واقعي قد يظهر وقد لا يظهر، فمع أن المكلف فاسق في الواقع لارتكابه المعصية في الباطن كيف يمكن أن يكون عادلا من جهة عدم ظهور الفسق منه؟ إذ هما طريقان ومعرفان للعدالة، لا أنهما العدالة نفسها، ويأتي الكلام على معرف العدالة وطريق استكشافها قريبا إن شاء الله.
وعلى الجملة القولان الأخيران ساقطان، ومعه لابد من التكلم في أن العدالة هي الاعمال الخارجية من دون اعتبار صدورها عن الملكية النفسانية، أو أنه يعتبر في العدالة أن تكون الاعمال صادرة عن الملكة؟ فنقول: لم تثبت للعدالة حقيقة شرعية، ولا متشرعية، وانما هي بمعناها اللغوي اعني الاستقامة وعدم الجور والانحراف وهي قد تستند إلى الأمور المحسوسة فيقال هذا الجدار عدل أو مستقيم، أو أن العصا مستقيم، فتكون العدالة والاستقامة من الأمور المحسوسة. وقد تسند إلى الأمور غير المحسوسة فيراد منها الاستقامة المعنوية وذلك كالعقيدة والفهم، والاخلاق فيقال: عقيدة فلان مستقيمة اي غير مشوشة أو أن فهمه مستقيم في قبال اعوجاجه، أو أخلاقه مستقيم اي لا افراط فيه ولا تفريط. وقد تسند إلى الذوات فيقال زيد عادل ومعناه أن مستقيم في الخروج عن عهدة التكاليف المتوجهة اليه، وحيث أن الشارع يراه مستقيما في جادة الشرع فهو عادل شرعا وغير منحرف عن جادته. فالعدالة المطلقة - وهي المنسوبة إلى الذوات - هي الاستقامة العملية كما يقتضيه معناها اللغوي، مع قطع النظر عن الروايات والمتحصل أن العدالة ليست لها حقيقة شرعية وانما استعملت في الكتاب والاخبار بمعناها اللغوي اعني الاستقامة وعدم الاعوجاج والانحراف وغاية الامر أن موارد استعمالها مختلفة. كما ظهر أن العدالة ليست من الأوصاف النفسانية، وانما هي صفة عملية لأنها في اللغة - كما عرفت - هي الاستقامة وعدم الجور، وفي الشرع هي الاستقامة في جادته والى ذلك أشير في جملة من الآيات المباركة كما في قوله عز من قائل: فان خفتم أن لا تعدلوا وقوله: ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء لإضافة العدالة فيهما إلى الذات بلحاظ استقامتها في جادة الشرع وتطابق اعمالها لأحكامه.
فقه السيد الخوئي ج 1 ص 252