فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - جمع أحمد بن عبد الرزاق الدويش - ج ٨ - الصفحة ٣٠٤
وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس عبد الله بن قعود عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن عبد الله بن باز ترجمة خطبة الجمعة (1)

(١) كتب سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز عن حكم ترجمة خطبة الجمعة، وهذا نص ما كتب:
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم (...) سلمه الله سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فقد وصلتني رسالتكم الكريمة المؤرخة في ٢٦ / ٨ / ١٣٨٣ ه‍ وصلكم الله بهداه، وفهمت ما تضمنته من كتابة بعض المثقفين بمدينة (كاتان كدى) الواقعة بجنوب جزيرة سيلان إلى معاليكم يذكر فيما كتبه إليكم: أن سكان هذه المدينة البالغ عددهم (٢٠٠٠٠٠) نسمة قد حدث بينهم خلاف حول جواز ترجمة خطبة الجمعة بلغتهم الوطنية، إلخ. ورغبة معاليكم في إبانة الصواب في هذه المسألة حسبما تقتضيه قواعد الشرع المطهر، والمصلحة للمخاطبين بالخطبة، وعليه فإجابة لسؤالكم وتحقيقا لرغبتكم، ومساهمة في الإصلاح بين المسلمين وحل النزاع بين المتنازعين، ومحاولة لنشر التعاليم الإسلامية، والتوجيهات المحمدية بلغة القرآن الكريم، وغيرها من اللغات المستعملة، أذكر لكم في هذه الرسالة ما أعلمه من الشرع المطهر في هذه المسألة فأقول:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فقد تنازع العلماء رحمهم الله في جواز ترجمة الخطبة المنبرية في يوم الجمعة والعيدين باللغات العجمية، فمنع ذلك جمع من أهل العلم، رغبة منهم رضي الله عنهم في بقاء اللغة العربية والمحافظة عليها والسير على طريقة الرسول (ص) وأصحابه رضي الله عنهم في إلقاء الخطب باللغة العربية في بلاد العجم وغيرها، وتشجيعا للناس على تعلم اللغة العربية والعناية بها. وذهب آخرون من أهل العلم إلى جواز ترجمة الخطب باللغة العجمية إذا كان المخاطبون أو أكثرهم لا يعرفون اللغة العربية، نظرا للمعنى الذي من أجله شرع الله الخطبة، وهو تفهيم الناس ما شرعه الله لهم من الأحكام، وما نهاهم عنه من المعاصي والآثام، وإرشادهم إلى الأخلاق الكريمة والصفات الحميدة، وتحذيرهم من خلافها، ولا شك أن مراعاة المعاني والمقاصد أولى وأوجب من مراعاة الألفاظ والرسوم، ولا سيما إذا كان المخاطبون لا يهتمون باللغة العربية، ولا تؤثر فيهم خطبة الخطيب بها، تسابقا إلى تعلمها، وحرصا عليها. فالمقصود حينئذ لم يحصل، والمطلوب بالبقاء على اللغة العربية لم يتحقق. وبذلك يظهر للمتأمل أن القول بجواز ترجمة الخطب باللغات السائدة بين المخاطبين الذين يعقلون بها الكلام ويفهمون بها المراد أولى وأحق بالاتباع، ولا سيما إذا كان عدم الترجمة يفضي إلى النزاع والخصام، فلا شك أن الترجمة والحالة هذه متعينة لحصول المصلحة بها، وزوال المفسدة، وإذا كان في المخاطبين من يعرف اللغة العربية، فالمشروع للخطيب أن يجمع بين اللغتين، فيخطب باللغة العربية، ثم يعيدها باللغة الأخرى التي يفهمها الآخرون، وبذلك يجمع بين المصلحتين، وتنتفي المضرة كلها وينقطع النزاع بين المخاطبين. ويدل على ذلك من الشرع المطهر أدلة كثيرة، منها ما تقدم، وهو: أن المقصود من الخطبة نفع المخاطبين وتذكيرهم بحق الله، ودعوتهم إليه، وتحذيرهم مما نهى الله عنه، ولا يحصل ذلك إلا بلغتهم. ومنها: أن الله سبحانه إنما أرسل الرسل عليهم السلام بألسنة قومهم؛ ليفهموهم مراد الله سبحانه بلغاتهم، كما قال عز وجل: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم}، وقال عز وجل: {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد}، وكيف يمكن إخراجهم به من الظلمات إلى النور، وهم لا يعرفون معناه، ولا يفهمون مراد الله منه، فعلم أنه لابد من ترجمة تبين المراد، وتوضح لهم حق الله سبحانه إذا لم يتيسر لهم تعلم لغته، والعناية بها، ومن ذلك أن الرسول (ص) أمر زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود ليكاتبهم بها، ويقيم عليهم الحجة، كما يقرأ كتبهم إذا وردت ويوضح للنبي (ص) مرادهم، ومن ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم لما غزوا بلاد العجم من فارس والروم لم يقاتلوهم حتى دعوهم إلى الإسلام بواسطة المترجمين، ولما فتحوا البلاد العجمية دعو الناس إلى الله سبحانه باللغة العربية، وأمروا الناس بتعلمها ومن جعلها منهم دعوة بلغته وأفهموه المراد باللغة التي يفهمها فقامت بذلك الحجة، وانقطعت المعذرة، ولا شك أن هذا السبيل لا بد منه، ولا سيما في آخر الزمان، وعند غربة الإسلام، وتمسك كل قبيل بلغته، فإن الحاجة للترجمة ضرورية ولا يتم للداعي دعوة إلا بذلك.
وأسأل الله أن يوفق المسلمين أينما كانوا للفقه في دينه والتمسك بشريعته والاستقامة عليها وأن يصلح ولاة أمرهم، وأن ينصر دينه، ويخذل أعداءه إنه جواد كريم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
(٣٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 299 300 301 302 303 304 306 307 308 309 310 ... » »»