تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٣٢
تواريخهم لأهل الدولة وأبناؤها متشوفون إلى سير أسلافهم ومعرفة أحوالهم ليقتفوا آثارهم وينسجوا على منوالهم حتى في اصطناع الرجال من خلف دولتهم وتقليد الخطط والمراتب لأبناء صنائعهم وذويهم والقضاة أيضا كانوا من أهل عصبية الدولة وفي عداد الوزراء كما ذكرناه لك فيحتاجون إلى ذكر ذلك كله واما حين تباينت الدول وتباعد ما بين العصور ووقف الغرض على معرفة الملوك بأنفسهم خاصة ونسب الدول بعضها من بعض في قوتها وغلبتها ومن كان يناهضها من الأمم أو يقصر عنها فما الفائدة للمصنف في هذا العهد في ذكر الأبناء والنساء ونقش الخاتم واللقب والقاضي والوزير والحاجب من دولة قديمة لا يعرف فيها أصولهم ولا أنسابهم ولا مقاماتهم إنما حملهم على ذلك التقليد والغفلة عن مقاصد المؤلفين الأقدمين والذهول عن تحري الأغراض من التاريخ اللهم إلا ذكر الوزراء الذين عظمت آثارهم وعفت عن الملوك أخبارهم كالحجاج وبني المهلب والبرامكة وبني سهل بن نوبخت وكافور الإخشيدي وابن أبي عامر وأمثالهم فغير نكير الالماع بآبائهم والإشارة إلى أحوالهم لانتظامهم في عداد الملوك. ولنذكر هنا فائدة نختم كلامنا في هذا الفصل بها وهي أن التاريخ إنما هو ذكر الاخبار الخاصة بعصر أو جيل فأما ذكر الأحوال العامة للآفاق والأجيال والاعصار فهو أس للمؤرخ تنبني عليه أكثر مقاصده وتتبين به أخباره وقد كان الناس يفردونه بالتأليف كما فعله المسعودي في كتاب مروج الذهب شرح فيه أحوال الأمم والآفاق لعهده في عصر الثلاثين والثلاثمائة غربا وشرقا وذكر نحلهم وعوائدهم ووصف البلدان والجبال والبحار والممالك والدول وفرق شعوب العرب والعجم فصار إماما للمؤرخين يرجعون إليه وأصلا يعولون في تحقيق الكثير من أخبارهم عليه ثم جاء البكري من بعده ففعل مثل ذلك في المسالك والممالك خاصة دون غيرها من الأحوال لان الأمم والأجيال لعهده لم يقع فيها كثير انتقال ولا عظيم تغير وأما لهذا العهد وهو آخر المائة الثامنة فقد انقلبت أحوال المغرب الذي نحن شاهدوه وتبدلت بالجملة واعتاض من أجيال البربر أهله على القدم بما طرأ فيه من لدن المائة الخامسة من أجيال العرب بما كسروهم وغلبوهم وانتزعوا منهم عامة الأوطان وشاركوهم فيما بقي من البلدان لملكهم هذا إلى ما نزل بالعمران
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»